قوله: ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) كيف في موضع نصب بالفعل ( فضلنا ){[2660]} فضل الله بعض الناس على بعض في الرزق ،وفي غيره من مركبات الحياة الدنيا كالقوة والضعف ،والصحة والسقم ،وطول العمر وقصره ؛فالناس في ذلك كله متفاوتون مثلما تقتضيه مشيئة الله وحكمته .أما أرزاق العباد ؛فإنها تتفاوت بينهم بالنظر للتفاوت في القدرات والطاقات .وإنما تتحصل الأرزاق بفعل الجهود والنشاطات المبذولة .وهذه بين الناس متفاوتة تفاوتا ظاهرا ؛فهم ما بين باذل كادح نشيط ،إلى قاعد متخاذل متثاقل .ومن ذكي فطن نبيه إلى غبي بليد أحمق .ومن محترٍّ متحفز غيور ،إلى فاتر باهت معزول .وباختلاف هاتيك القدرات والاستعدادات يختلف التحصيل لدى الناس ،وكذلك تختلف الأرزاق ليكون الناس بين مقلّ ومُكثر ،أو مفتقر وموسر .قال ابن كثير رحمه الله في كيفية التفضيل في الرزق بين العباد في الدنيا: فمنهم الغني والفقير وبين ذلك .والحسن والقبيح وبين ذلك .ومن يموت صغيرا ومن يعمر حتى يبقى شيخا كبيرا ،وبين ذلك .
قوله: ( وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) ( درجات ) ،منصوب على التمييز .وكذلك تفضيلا{[2661]} ،وذلك تأكيد على أن التفاوت في الآخرة بين العباد أكبر مما في الدنيا .فمن الناس يوم القيامة من يكون في عليين .ومنهم من يكون أسفل سافلين .حتى أهل الدرجات في الجنة يتفاوتون في منازلهم ،فمنهم الأعلون في الفردوس ،ومنهم دون ذلك ،وإن كانوا جميعا في درجات النعيم .وكذلك أهل الدركات في النار تتفاوت أحوالهم في العذاب بين شديد حارق ،أو أشد احترارا وتحريقا .فكلا الفريقين متفاوتون .