قوله تعالى:{تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} ذلك بين من الله جل جلاله على أن السماوات السبع على سعتهن وعظمتهن التي تفوق تصور البشر وخيالهم ،وكذا الأرض ،( ومن فيهن ) ،من الملائكة والإنس والجن من المؤمنين ؛كل أولئك ينزهون الله عما وصفه به المشركون إجلالا له وتعظيما .ثم انتقل من التخصيص إلى التعميم فقال: ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أي وما من شيء من المخلوقات في السماوات أو في الأرض إلا يسبح بحمد الله فيقول: سبحان الله وبحمده ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم )؛لأن تسبيح هذه الأشياء غير معلوم لنا ؛فهي تسبح بخلاف لغات البشر .وإنما تسبح بلغتها التي لا يعلمها إلا هو سبحانه .روى الإمام أحمد عن أنس ( رضي الله عنه ) عن رسول الله ( ص ) أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم رواحل فقال لهم:"اركبوها سالمة ،ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق ؛فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه ".
وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو قال: نهى رسول الله ( ص ) عن قتل الضفدع وقال:"نقيقها تسبيح ".
واختلفوا في تخصيص العموم في قوله: ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) فقيل: ليس مخصوصا .والمراد به تسبيح الدلالة ؛أي أن كل محدث يشهد على نفسه بأن الله هو الخالق القادر .وقيل: هذا التسبيح على حقيقته .فما من شيء في الكون إلا ويسبح الله تسبيحا لا يسمعه البشر ولا يفقهونه .وقيل: المراد به الخصوص في كل حي ؛فالشجرة حال إثمارها واخضرارها ،تسبح بحمد الله .وإذا أصبحت خوانا ،فإنها لا تسبح .والخوان ،بكسر الخاء ؛أي الذي يؤكل عليه .وهو معرب{[2690]} .
والمراد بالخوان ،المائدة من الخشب .ويستأنس لهذا القول بحديث ابن عباس أن رسول الله ( ص ) مرّ بقبرين فقال:"إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ؛أما أحدهما: فكان لا يستنزه من البول ،وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة "ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة ثم قال:"لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ".
ويستفاد من ذلك أيضا أن قراءة القرآن تخفف من عذاب أهل القبور .قال القرطبي في ذلك: وإذا خُفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن .
والذي أجده أصوب القول بالعموم .فما من شيء ،حيا كان أو جمادا ،أخضر أو يابسا ،إلا يسبح بحمد الله ؛إذ يقول: سبحان الله وبحمده .ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه ابن ماجه في سننه ومالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري ( رضي الله عنه ) أن النبي قال:"لايسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شيء ؛إلا شهد له يوم القيامة ".