قوله تعالى:{وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ( 94 ) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( 95 ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( 96 )} ( أن يؤمنوا ) ،مفعول ثان للفعل ( منع ) أي: ما منعهم إيمانهم أو من إيمانهم .والفاعل ( أن قالوا ) أي قولهم .( إذ ) ،ظرف للفعل منع .والتقدير: وما منع الناس من الإيمان وقت مجيء الهدى إياهم إلا قولهم: أبعث الله{[2747]} .
والمعنى: أن هؤلاء المشركين الذين ظهرت أباطيلهم والذين لجوا في العتو والاستكبار والحسد ،ما منعهم من الإيمان بدين الله وكتابه الحكيم ،وقت نزول الوحي بالمعجزة الكبرى وهي القرآن حيث الهداية والخير والنور ( إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) وهو استفهام إنكار وجحود ؛فقد كذبوا أن يبعث الله إليهم رسولا من جنس البشر .وهذا التصور خاطئ وضال ؛فإن من الحق والمنطق السليم أن يبعث الله بالرسل لعباده من جنسهم ؛لأن الجنس إلى الجنس أميل .ولو بعثهم الله من غير جنس المبعوث إليهم لوقع بينهم التنافر ،لاختلاف الخلقة والطبائع .وإنما يستأنس المخلوق بنظيره من المخاليق من بني جنسه وليس من جنس مغاير مختلف ،وبذلك فإن قولهم إن الرسول ينبغي أن يكون من الملائكة ،ليس إلا محض تحكم يؤز إليه الهوى المجرد .وهذا هو مقتضى قوله: ( أبعث الله بشرا رسولا ) .