قوله تعالى:{ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا} ذلك كلام مبتدأ من الله وفيه تسلية لرسول الله ( ص ) .والمعنى: أن المهتدي من أوتي سلامة الفطرة وحُسْن الاستعداد ؛فإنه يهتدي بتوفيق الله للحق .وأما الضال: فهو ذو استعداد قبيح وطبيعة سيئة متلبسة بالزيغ والعوج ،فما يختار هذا إلا الكفر والعصيان والإدبار عن منهج الله وطاعته .
وهؤلاء الضالون الزائغون عن الحق ليس لهم من أحد يهديهم وهو قوله سبحانه: ( فلن تجد لهم أولياء من دونه ) أي لن يكون لهؤلاء الجاحدين أنصارا أو أعوانا ينقذونهم من الضلالة والخسران إن كان الله قد علم أنهم لا يبتغون إلا الضلال ،فأضلهم .
قوله: ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ) ( على وجوههم ) ،في موضع نصب على الحال من المفعول ؛أي كائنين مسحوبين على وجوههم .و ( عميا ) ،حال ثانية{[2751]} ،والبكم ،من البكم بالتحريك بمعنى الخرس .والبكم جمع أبكم وهو الأخرس ،أو الذي يولد ولا ينطق ولا يسمع ولا يبصر{[2752]} .يتوعد الله هؤلاء المشركين الجاحدين ويتهددهم بأهوال يوم القيامة حيث الدواهي والشدائد بدءا بعذاب القبر .ومرورا بالذعر والإياس والزحام والاصطلاء الشديد تحت الشمس .وفي وصف ذلك يقول سبحانه: ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ) أي يساقون بعد قيامهم من قبورهم إلى المحشر ؛إذ يزحفون على وجوههم زحفا ،وهم عمي لا يرون ،وخرس لا ينطقون ،وصم لا يسمعون .فياله من منظر فظيع ،وصورة مريعة بئيسة تستبين من خلالها حال المجرمين الخاسرين يوم القيامة .
وفي حال الكافرين الخاسرين يوم القيامة وما يحيط بهم حينئذ من عظائم الأمور أخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( ص ):"يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف: صنف مشاة ،وصنف ركبان ،وصنف على وجوههم "قيل: يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم ؟قال:"إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ".
وأخرج أحمد والنسائي والترمذي عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله ( ص ):"إنكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم ".وأخرج أحمد والنسائي والحاكم عن أبي ذر قال: حدثني الصادق المصدوق ( ص ):"إن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج ،فوج طاعمين كاسين راكبين ،وفوج يمشون ويسعون ،وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم ".
قوله: ( مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ) خبت النار تخبو ،أي سكن لهيبها أو طفئ .{[2753]} والمعنى: أن هؤلاء الجاحدين الناكبين عن منهج الله مستقرهم جهنم ،بلهيبها المتأجج المستعر .وهي ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) أي كلما سكن لهيبها بأن فنيت جلودهم وأبدانهم من الحريق ولم يبق منها ما تحرقه النار ،أعادهم الله على ما كانوا عليه ؛لتتوقد بهم النار وتستعر{[2754]} .