{خَبَتْ}: الخبو: سكون النّار عن الالتهاب .
الهداية والضلال من الله
{وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} وهذا هو الذي فتح قلبه للرسالة ،ففكر فيها وواجهها بالجدّية الفكرية التي تعالج الأمور من موقع الفكر المسؤول ،ما يجعله موضعاً للطف الإلهي بالتأييد والتسديد والهداية ،لأن السنّة الإلهية قد جرت على أساس أن الإنسان إذا سار في طريق الحق ،فإن الله ييسِّر له سبل الوصول إليه ،ويفتح له الآفاق الرحبة لذلك ...وبذلك كانت الهداية من الله ،من خلال عناصرها الذاتية في شخصية الإنسان ،ومن خلال ما أعده الله من وسائلها ،وما أمدّه الله به من ألطافه الروحية والفكرية ...{وَمَن يُضْلِلْ} ،فيوكلهم إلى أنفسهم ،بعد أن اختاروا طريق الضلال ،فلم يعطوا الفكر حقّه من التأمل والبحث ،بل اتبعوا أهواءهم في ممارسة قضايا العقيدة من دون مسؤولية ،فضلّوا عن الطريق وتركهم الله لضلالهم ،{فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دونه} أي من دون الله ،لأن الله هو الذي يملك القوة ،ولا يملكها غيره ،وسيواجهون المصير الأسود المحتوم ،والصورة البشعة التي يتمثلون بها يوم القيامة ،كتجسيد للحالة التي كانوا عليها في الأرض في الامتناع عن استخدام أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم في سبيل المعرفة ،ما جعلها غير ذات موضوع في حركة الشخصية في حياتهم ،{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا} لأن عيونهم لم تنفتح على مظاهر عظمة الله لتقودهم إلى الإيمان بتوحيده .{وَبُكْمًا} لأن ألسنتهم لم تتحرك للسؤال عن طبيعة القضايا التي أثارتها الرسالات ،في ما أثارته من مبادىء وتفاصيل ،{وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} لأنهم أغلقوا أسماعهم عن الاستماع إلى آيات الله وكلمات الرسول ،فكأنهم لا يملكون ذلك كله .
{مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} فذلك جزاء الذين يرفضون الحق بعد قيام الحجة عليهم من الله ،وذلك هو مثواهم في عذاب مستمر ،{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} فتصاعد اللهب من جديد ،وزادهم ذلك احتراقاً على احتراق ،وعذاباً على عذاب ...