قوله: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون (تلك هي حقيقة حال المنافقين ،وهي حال تكشف عن طبيعة شاذة ملتوية ،لا يؤثر فيها النداء الكريم ،ولا تلجها الذكرى ،فهي طبيعة منكمشة صلدة لا تعي صدق الدين والنبوة ،ولا تقوى على استلهام شيء من حلاوة الإيمان ،وأصدق لهؤلاء المنافقين ما ذكرته الآية من كلمات شاملة معدودة (صم بكم عمي (وهذه كلمات قليلة تزجي بالمعنى المقصود على أتم ما يكون الإرجاء فهم صم لا يسمعون الحق ،وذلك لإعراضهم وانثنائهم عنه ،وهم كذلك بكم ومفردها أبكم وهو الأخرص الذي يظل قابعا دون إعطاء أو مشلولا لا يؤتي خيرا أو نفعا .
وهم يتفصون أيضا بالعمى الذي تنحجب معه الرؤية وتنغلق به الأبصار فلا يكون إذ ذاك اهتداء أو استبصارا ،وذلك كشف مريع يبين حقيقة المنافقين الذين انقلبوا إلى مغاليق في بصائرهم وفي كل أداة من أدوات الحس فيهم ،سواء كان ذلك السمع أو النطق أو البصر .إن هؤلاء باتوا قساة في طبائعهم وقلوبهم إلى أن بلغوا الإيصاد المطبق يغشى فيهم كل مسلك من مسالك التفكير أو الفطرة ،وتلك هي درجة الإياس الذي لا يرتجي بعده إيمان أو هداية ،وذلك قوله سبحانه: (فهم لا يرجعون (لا رجعة للمنافقين الى حومة الخشوع المتذلل لله وحده ،ولا رجاء لهم في العودة إلى الإيمان الذي نبذوه في خسة وحماقة ليستبدلوا به الكفر والعمه وليكونوا مع الجاحدين والفاسقين .