وأنه قد سدت كل مدارك إدراك الخير ، قد اشتروا الضلالة بالهدى ، وأنهم إن استوقدوا بسبب استغراق الفساد لنفوسهم تنطفئ نار الحق فيهم ، ويصطحب النور ، ويستمسك به لغير ، فسدت عليهم أبواب الحق لا يسمعون إذا دعاهم ، ولا تنطق به ألسنتهم إذا خوطبوا ولا يرون طريق الهدى ، فيبصروه ؛ ولذا وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله:{ صم بكم عمي} .
وإذا كانت لهم آذان فهم لا يسمعون بها ، وإذا كانت لهم أعين فهم لا يبصرون بها ، وإذا كانت لهم ألسنة فهم لا ينطقون بها في حق قط .
وكانت هذه الآية الكريمة تشبيها لحالهم التي آلوا إليها فليست استعارة ، ولكنها تشبيه صريح ، إذ إن قوله تعالى:{ صم بكم} خبر لمبتدأ محذوف تقديره:"هم"أو:المنافقون ، فهم كالصم لأنهم إذا استمعوا القول لا يتبعون أحسنه ويقولون سمعنا بل ينغضون رءوسهم علوا واستكبارا{ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( 80 )} [ النمل] ، وإذا بصرتهم بالدلائل الواضحة ، والبينات الناصعة ، لا يستبصرون فلهم قلوب لا يفقهون بها ، ولا ينطقون بحق استنطقتهم به ، فهم كالبكم الذين لا ينطقون ، وهم لا يبصرون وإن كانت لهم أعين .
وختم الله تعالى وصف حالهم بأنهم لا يرجعون ، أي لا يرجعون إلى الهداية ، بعد أن ساروا في الغواية ، أي هم وقوف عند الشر الذي وصلوا ؛ لأنه ليس وراءه شر ، بل هو الضلال البعيد ، وقد وصلوا إلى نهايته ، فماذا بعد النفاق من ضلال ، ولقد قال الزمخشري:إن وقوفهم في الحيرة هو الذي حكم عليهم بأن يتركهم في طغيانهم يعمهون أي يتحيرون .