ثم تبين الآية في هذا الصدد أن من خير الدعاء طلب الحسنة في هذه الدنيا وفي يوم القيامة لتقترن السعادتان معا وذلكم هو الخلاق العظيم فقال سبحانه: ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) وهذه صورة واضحة ملتئمة تكشف عن طبيعة هذا الدين المتكامل المتوازن المتين الذي يجمع بين الدنيا والآخرة ،أو يجمع بين الواقع المحس المشهود والمثالية العالية الرفافة ،أو يجمع بينا لعادة والروح .وفي ذلك كله من تمام الانسجام الملتئم وكامل الترابط الوثيق ما يجعل الإسلام أكثر العقائد والأديان والفلسفات والنظم ملاءمة للحياة الإنسانية والفطرية والبشرية .
أما الحسنة في الدنيا فإنها تتناول كل خير حلال أباحته الشريعة ورضيه الله للناس ؛كيما يلذّوا ويستمتعوا به ،ويدخل في إطار الحسنة في الدنيا الزوجة الحسنة الصالحة ،والدار الرحبة الجيدة ،والرزق الواسع الحلال ،والأخلاء الأبرار الودودون ،والعلم الزاخر النافع ،والثناء الصادق الحسن ،وغير ذلك من وجوه الخير والحُسن .
وقد جاء في السنة ما يبين أهمية هذا الدعاء الكريم الجامع ،فقد سئل أنس: أي دعوة كان أكثر ما يدعوها النبي ( ص ) قال: يقول:"اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ".
وروي عن أنس أيضا أن رسول الله ( ص ) عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ ،فقال له رسول الله ( ص ):"هل تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟ ّ "قال: نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا .فقال رسول الله ( ص ):"سبحان الله لا تطيقه- أو لا تستطيعه – فهلا تقل: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )"قال: فدعا الله فشفاه .
قوله: ( وقنا عذاب النار ) ( وقنا ) جملة فعلية تتضمن فعل أمر ،والفاعل يعود على لفظ الجلالة والضمير المتصل"نا "في محل نصب مفعول به أول .( عذاب ) مفعول به ثان .وقنا من الوقاية وهي الصون والحماية .والآية دعاء عظيم يلهج به لسان المؤمن متضرعا إلى ربه ان يحفظه من عذاب النار وأن يمتّن عليه بإدخاله الجنة فيكون من الناجين من العذاب والفائزين بعظيم العطاء والثواب .