قوله: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم (الله جل جلاله قد أنشأ الأرض وما فيها من العدم ،إذ لا يتصف شيء في الحياة أو الوجود بالأزلية ،وتلك صفة أساسية وكبرى ليست لغير الله الخالق المبدع الذي أوجد الحياة والكائنات والأشياء ،أوجد الأرض وما عليها وما في باطنها من خلائق كثيرة كالمياه والمعادن وأصناف الأتربة .
وفي قوله: (لكم (تذكير بالمنة من الله على الناس ،فقد أوجد لهم الأرض بما يركم في جوفها وعلى متنها من أسباب الحياة والعيش الآمن الميسور وذلك كالهواء والغذاء والماء وغير ذلك من خليقة مبثوثة في كل مناحي الأرض مما يحقق للإنسان عيشه الآمن .
قوله: (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات (الكلمة (ثم (تتعلق بالخلق لا بالإرادة أي تفيد الترتيب من حيث الإنشاء والإبداع لا من حيث الإرادة المقترنة بعلم الله الأزلي .
ذلك أن إرادة الله القاضية بخلق الأشياء لم تأت على مراحل فإن ذلك لا يتحقق إلا بالنسبة للخلق والإيجاد ،أما إرادة الله القاضية بالخلق فإنها قديمة قدم الذات العلية نفسها .والله سبحانه من صفاته الإرادة فلم تكن هذه لتأتي على مراحل تعالى الله ذلك .
وقوله: (استوى إلى السماء (فإن أقوال المفسرين تكاد تجمع على أن (استوى (بمعنى قصد ،فبعد أن خلق الله الأرض قصد إلى السماء ليخلقها ،وقيل: ( استوى إلى السماء (أي صعد إليها ،والقول الأول هو الراجح والله أعلم .
على أن ظاهر الآية يفيد أن خلق الأرض كان سابقا لخلق السماء ،يعزز ذلك قوله تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداد ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض اثنيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين(.
واستدل آخرون على أن خلق السماء كان أسبق من خلق الأرض بقوله تعالى بعد ذكر خلق السماء: (والأرض بعد ذلك دحاها( لكن التأويل المناسب لمدلول النصين خروجا من التعارض بينهما هو أن الأرض إذ خلقت قبل السماء لم يكن خلقها على الشكل الأولى الذي تصلح معه الحياة ،بل كان ذلك على سبيل الإيجاد البدائي المجرد أو التخليق الذي لم يكن متبلورا بعد ،وإنما حصل التبلور والاكتمال في خلق الأرض بما تصلح معه للحياة بعد أن خلقت السماء ،ويمكن إدراك هذا المعنى من المفهوم الوارد في الآية ،فدحي الأرض يعني جعلها صالحة للحياة والعيش بإيجاد الأسباب لذلك من إخراج للمياه ،وإنبات للزرع والشجر ،وإيجاد للهواء وغير ذلك مما ييسر للخلائق أن تعيش .
قوله: (فسواهن سبع سماوات (أي جعلهن وصيرهن سبع سماوات ،والفعل سواهن من الاستواء وهو الاعتدال والاستقامة ،وبذلك فإنه يقهم من ظاهر العبارة أن الله خلق السماوات السبع على نحو سوي معتدل ليس فيه اعوجاج أو خلل ،بل خلق متوازن مترابط لا يعتوره أدنى ضعف أو تعارض أو فوضى ،يقول سبحانه في كلمات كريمة أخرى:(الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير (.
قوله: (وهو بكل شيء عليم ((هو (ضمير في محل رفع مبتدأ ،وخبره (عليم (وذلك تعظيم لقدر الله ،وإظهار لشأنه الأجل وعلمه الذي وسع كل شيء فهو سبحانه محيط علمه بالأشياء والحوادث جميعا وعالم بالأسرار والخفايا والأستار والخبايا وبكل ما استكن في هذا الوجود .{[33]}