أما إعراب قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم (يتضمن السؤال في قوله (كيف (توبيخا للكافرين وتقريعا لهم جزاء كفرهم بالله ،أما الكفر بالله المذكور في هذه الآية فهو يشمل النكران لوجوده سبحانه ،وكذلك الجحود لأنعمه والجنوح عن صراطه إلى المحارم والموبقات ،فليس بالضرورة أن يكون الكافر منكرا لوجود الله ،مع أن ذلك يشكل غاية الكفران والجحد ،وإنما يكون كافرا من عرف الله ومال عن صراطه ودينه ،واتبع شرائع البشر أيا كانت هذه الشرائع لما يتصوره هذا المائل الجاحد أن شرائع الإسلام لا تصلح ،أو نحو ذلك من وجوه الكفر ،فإن معرفة الله متجردة وحدها لا تغني صاحبها شيئا إذا لم تقترن هذه المعرفة باليقين القاطع بصدق شريعة الله وبصلوحها للعالمين مع الإعراض عن الخطايا والموبقات والمحظورات .
قوله: (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم (ورد في بيان هذا الجزء من الآية جملة أقوال لعل أصولها: أن يكون المقصود هو الأمانة مرتين والإحياء مرتين ،أما الموتة الأولى: فهي حين كان الناس غير مخلوقين بعد ،فإن أي إنسان من قبل أن يخلق لهو في عداد الموتى الذين لا يملكون حياة ولا انتشارا ولا تأثيرا ،قال سبحانه في مثل هذا المعنى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا (وقوله كذلك في آية أخرى: (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا (هذه هي الموتة الأولى .
أما الموتة الثانية فهي معلومة ذاتها التي تحيق بالإنسان بعد حياة فإذا هو ميت وهي عاقبة محتومة سيفضي إليها كل كائن ،طال الأجل أم قصر ،(إنك ميت وإنهم ميتون (فتلكما موتتان .
أما الإحياء مرتين ،فإن أولاهما: هذه التي يحياها الإنسان بعد أن يخلق ليدب على الأرض كادحا فترة من زمان إلى أن يقضي ،وبعدها يظل برفاته حبيس الرمس راكدا لا يريم إلى فترة لا يدري سوى الله كم من السنين تبلغ ،وبعدها بأذن الله للساعة أن تقوم ،ليبعث الموتى من قبورهم إلى حيث النشر والحساب .
وثانيهما: تلك التي يكون عليها الإنسان بعد بعثه من قبره ليعود حيا على التمام وليلاقي حظه الحساب المسطور .
فتلكما موتتان: وذلكما إحياءان اثنان ،وفي ذلك يقول سبحانه في آية أخرى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين (.
وقوله: (ثم إليه ترجعون (بعد الإحياء الثاني الذي يعقب الموت يساق الناس إلى الله ليروا أعمالهم ،وأصدق ما يجيء في هذا الصدد قوله سبحانه في سورة الزلزلة التي تزلزل لوقعها وشدة تأثيرها النفوس والمشاعر والأبدان وهي تتصور فداحة الموقف العصيب الرهيب في يوم مجلجل مشهود: (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (.