قوله: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه (الذين اسم موصول نعت للفاسقين ،والنقض معناه الهدم والإبطال ،والميثاق هو العهد وجمعه مواثيق ومنه الوثاق ويعني القيد أو الحبل ونحو ذلك ،فهؤلاء الفاسقون يهدمون عهدهم عهدهم مع الله من بعد إحكامه وتثبيته ،قيل: إنهم أهل الكتاب فقد كانوا مكلفين تكليفا ربانيا من خلال كتبهم المنزلة عليهم أن يؤمنوا بمحمد النبي صلى الله عليه وسلم حال مجيئه وقد ألقوا ذلك مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ،كانوا قد عاهدوا الله على ذلك من قبل ،وألزموا أنفسهم بالإيمان بهذا النبي إذا بعث ،لكنهم كذبوه وناصبوه الحرب والعداء فخالفوا بذلك عن أمر ربهم وأخلفوا موعدهم الذي قطعوه على أنفسهم .
وثمة قول ثان وهو أن الآية تشمل جميع الكافرين من مشركين وأهل كتاب أو غيرهم الذين كلفوا بالطاعة فعصوا ،مثلما كلفوا بمجانبة المعاصي ومحارم الله ،ثم أتوا ذلك كله فهؤلاء جميعا قد نقضوا عهدهم مع الله بعد أن كان هذا العهد متوثقا ،قوله: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل (خير ما قيل في ذلك من تفسير: أن هؤلاء الفاسقين الناقضين لعهدهم مع الله لم يأتمروا بأوامر الله التي تحل الحلال وتحرم الحرام ،وذلك ما أمر الله به أن يوصل ،وقيل أيضا: إن المقصود بقطع ما أمر الله به أن يوصل هي الأرحام ،فقد قطعها هؤلاء ولم يصلوها ،والراجح القول الأول ،فهو أشد ملاءمة للسياق والمعنى ،فإنه من البعيد أن يطلب من الفاسقين الخارجين عن دين الله أن يصلوا الأرحام ،وهذه مسألة فرعية- مع أنهم يكذبون بالدين ويجحدون نبوة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .
قوله: (ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (الإفساد في الأرض يشمل كل ألوان المعصية والإثم ،وكل ما يقارفه العصاة من مخالفات عن أمر الله بما يتضمن الشرك وهو غاية الإفساد في الأرض ،وغير ذلك من وجوه التمرد على شريعة الله ،ولا جرم أن هؤلاء هم الخاسرون ،وذلك من الخسارة وهي تعني الهلاك أو النقص ،أما الهلاك: فإنه محيط بهؤلاء الذين يجنحون للمحظورات والخطايا ،فإنهم آيلون إلى السقوط في عذاب الله ،وأما النقص: فإنهم ناقصوا الحظ والمنزلة بما يسوقهم في النهاية إلى التدمير فيهذه الدنيا ثم إلى السعير في الآخرة .