قوله تعالى: ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( 73 ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( 74 ) ) المراد بالمثل الشبيه .والمقصود به هنا الأصنام التي كانت مصفوفة من حول الكعبة والتي عبدها المشركون من دون الله .وهذا خطاب من الله للناس منبها على حقارة الأصنام ،ومنددا بسفاهة أحلام الجاهلين وسخفها ؛أي جعل لي المشركون السفهاء شبيها في عبادتي ؛أي أصناما عبدوها من دوني .قوله: ( فاستمعوا له ) أي جعل المشركون لي شبيها في عبادتي فاستمعوا حال هذا الشبيه وتدبروه لتعلموا مبلغ الحماقة المسفة التي انحدرت إلى حضيضها عقول الجاهلين السفهاء .وذلك قوله: ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) الذباب ،اسم واحد للذكر والأنثى ،وجمعه في الكثرة ذُبان .وفي القلة: أذبة .والواحدة ذبابة{[3148]} .والمعنى: أن الأصنام التي عبدتموها من دون الله ليست سوى أحجار صُم لا تعي ولا تدرك .ولا تملك أن تخلق ذبابا وهو أبسط أنواع الحشرات وأشدها هوانا وضعفا ؛بل إن الذباب من الحشرات التي تستقذرها النفوس وتتقزز منها الطبائع البشرية لحقارتها وقذرها .هذه الحشرة البسيطة المستقذرة لا تملك الأصنام البلهاء الصم- وإن اجتمعت جميعا- أن تخلق شيئا منها .
قوله: ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) الاستنقاذ ،معناه التخليص .وقد ذكر أن المشركين كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران . وقيل: بالطعام فيقع عليه الذباب ليأكل منه .والمعنى: إذ وقع الذباب على هذه الأصنام فأخذ مما عليها شيئا ،لا تستطيع الأصنام أن تستخلص شيئا مما أخذه الذباب منها .والمراد إخبار الناس أن هذه الأصنام عاجزة عن خلق ذباب وهو المستقذر المهين ؛بل إنها عاجزة عن استنقاذ شيء مما يسلبه الذباب منها .
قوله: ( ضعف الطالب والمطلوب ) ( الطالب ) معناه الأصنام المتخذة آلهة .( والمطلوب ) ،الذباب ؛أي عجز الطالب وهي الأصنام المعبودة من دون الله أن تستنقذ ما سلبه الذباب منها .وذلك غاية في التنديد بالمشركين الضالين الذين يذعنون بالخشوع والتقديس لهذه الأصنام البلهاء الصم التي لا تصنع حشرة مهينة قذرة كالذباب .وأعجز عن استرداد ما يسلبه الذباب منها .