{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ( 73 ) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 74 ) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( 75 ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( 76 )}
التفسير:
73 - يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ .
ضرب: جعل وبين لكم حال مستغربة .
المثل والمثل: الشبه .
لا يستنقذوه: لا يقدروا على استنقاذه .
يا كل الناس ،سأحكي لكم قصة عجيبة ،فاستمعوا لها ،بتدبر وتعقل ،والمثل قول سائر يشبه مضربه – وهو الذي ضرب فيه – بمورده – وهو الذي ورد فيه أولا – وما ذكر في الآية ليس مثلا لكنه قصة عجيبة تشبه المثل في غرابتها واستحسانهاxlvii .
إن المعبودات الباطلة التي تعبدونها أيها المشركون لن تستطيع أن تخلق ذبابة واحدة ،حتى لو اشتركت جميعها في محاولة خلق هذه الذبابة .
روى الشيخان وأحمد ،عن أبي هريرة ،أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ؟فليخلقوا ذرة ،فليخلقوا شعيرة )xlviii .
وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ .
أي: فضلا عن عجز الأصنام مجتمعة عن خلق ذبابة ،فإن الذباب لو اختطف منها شيئا من الأشياء ،لا تستطيع الأصنام استرداده لعجزها عن ذلك .
عن ابن عباس: أنهم كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ،ورءوسها بالعسل ،فإذا سلبه الذباب عجزت الأصنام عن أخذهxlix .
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ .
أي: ضعف الصنم ،فهو عاجز تماما عن الحركة ،أو استرداد ما أخذ منه ،وضعف المطلوب وهو الذباب .
قال القرطبي:
وخص الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته ،وضعفه ،ولاستقذاره ،وكثرته ،فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره ،لا يقدر من عبدوه من دون الله على خلق مثله ،ودفع أذيته ،فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين ،وأربابا مطاعين ،وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان .
وقال السدي:
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ .
الطالب العابد الذي يطلب الخير من الصنم ،والمطلوب الذي هو الصنم ،فكل منهما حقير ضعيف .
فالله سبحانه هو القوي المتين ،وهو يمد بالقوة والنصر من أطاعه والتزم منهجه ،أما من عصاه فهو هين ضعيف مهين ،وكذلك الصنم الذي يعبد من دون الله .