قوله: ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) أي أن أمم الأنبياء قد افترقوا ؛إذ جعلوا دينهم الواحد أديانا ،وملتهم الواحدة مللا ،بدلا من اجتماعهم مؤتلفين على الدين الحق الواحد ،وملة التوحيد الخالص لله .
و ( زبرا ) يعني كتبا ،جمع زبور وهو الكتاب ؛فقد تفرقت الأمم كتبا كثيرة شتى أحدثوها واصطنعوها من عند أنفسهم .اصطنعها الأفاكون والخراصون من دجاجلة كل ملة زاغت عن التوحيد ،وضلت طريق الله ،فأضلوا الناس بضلالهم وانحرافهم ؛إذ حسب كل فريق مضلل من تلك الأمم التائهة أنه مصيب وأنه متلبس دون غيره بالحق .والله يشهد ،والراسخون في العلم والحكمة يشهدون أنهم مبطلون واهمون زائغون عن سواء السبيل .وذلك مما سوله لهم شياطين البشر من مبتدعي الضلالات واختلاف الكتب الزائفة ،الحافلة بالكذب والافتراء على الله .
قوله: ( كل حزب بما لديهم فرحون ) كل فريق من هذه الأمم الواهمة المضللة معجب برأيه أو بكتابه المزيف .كتابه الذي اصطنعه رجال أشقياء ممن حرفوا كلام الله عن مواضعه فصاغوا واصطنعوا من الضلالات والأباطيل ما جاءت به أهواؤهم الشريرة وقلوبهم الكزة العمياء التي تنضح بالاضطغان والكراهية للبشرية ،وتفيض بالتعصب والانطوائية ومقت الآخرين .وذلك كله بفعل الأفاكين الخراصين الذين افتروا على الله الكذب بابتداع الكتب المكذوبة المزيفة التي تفسد العقول والقلوب والضمائر ،وتثير فيها الغرور والكراهية والجنوح للشر والتخريب والتدسس في الظلام ،كالذي فعلته طوائف من بني إسرئيل ،بما اصطنعوه من زيف الكتب والديانة المحرفة ما ملأ قلوبهم وقلوب ذراريهم وأحفادهم بالاغترار البالغ والتعصب الظالم الأعمى والكراهية المقيتة للآخرين .
لكن دين الله الحق وهو الإسلام مبرأ من هاتيك العيوب والضلالات .بعيد كل البعد من مواطن التلاعب والتزييف والتحريف .فلم تمسه أصابع أفاك أثيم ،ولا نالت منه أقلام المضللين والمشعوذين ،أو ضلالات أولي الأهواء المبطلين .لا جرم أن الإسلام وحده حقيق بأن تلتزم البشرية عقيدته الفاضلة السمحة ،وأن تتبع أحكامه وشرائعه القائمة على العدل والمساواة والرحمة والإخاء .