{فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً} ،فلم يمتثلوا للأمر الإلهي الموجّه إليهم بالتوحّد من خلال رسالته ،بما يمثله ذلك من وحدة رسله ،ولم يدرسوا ما أنزله الله على هؤلاء الرسل من مفاهيم واحدة قد تختلف لجهة بعض تفاصيل التطبيق ،وقد تتنوّع التشريعات التي تعبّر عنها تبعاً لاختلاف الزمن ،وما يفرضه من تطور وتبدل في حاجات الانسان ،ما يستدعي أن يجعل تحليل ما حرّمه سابقاً أمراً واقعياً منطقياً ،لأن للتحريم أمداً معيناً لا يتجاوزه ،وهذا يفسح في المجال لبروز حكمٍ جديدٍ يخالف الحكم السابق .وهكذا فإن اختلاف الرسل والكتب التي حملوها لا يعني التعارض في المواقف ،أو التباين في الانتماء ،بل يعني مرحلية الرسالات التي تستدعي أن يكون لكل رسالة نهاية محدودة ينتهي دورها عندها ،ليأتي دور رسالة لاحقة تكمّل الطريق الذي بدأته الرسالة السابقة .
ولكن المشكلة أنَّ هؤلاء انطلقوا من الدوافع الذاتية التي تغرقهم في المطامع والمنافع والامتيازات الخاصة ،وتجعلهم يرسمون حدوداً أمام النبوّات ،باعتبارها امتيازاً خاصاً بفريق دون آخر ،ويصبح النبي بالتالي رمزاً لهذا الحزب أو ذاك ،بعيداً عما هي الرسالة ،وعما هي تقوى الله ،وتتحوّل المسألة من حالة إيمان إلى حالة تحزّبٍ ..وبذلك يتقطع أمرهم ؛فلكل منهم كتاب ،ولكل منهم معبد ،ولكل جهةٍ رسول ،{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وهو فرح ذاتي أناني يحلم بالانتصارات الفئوية العدوانية ،وليس فرحاً روحياً ينطلق من المواقف الرسالية التي تنفتح لأعدائها ،لتفتح قلوبهم على الحقّ ،وتلاحق أصدقاءها بالنقد إذا انحرفوا عنه ..إنه معنى الرسالة في الحزب الذي يحطّم الحواجز بينه وبين الناس ،لتكون الرسالة هي خطابه لهم ،لا شخصيته الذاتية ،على مستوى الفئة أو الطائفة أو ما يشبه ذلك .
الإسلام منفتح على كل الرسالات
وهذا الخط الإيجابي المنفتح هو خط الإسلام ،الذي جاء به رسول الله محمد ( ص ) ،فقد جعل من صُلب عقيدة الإيمان به ،الإيمان بكلّ الرسل والرسالات السابقة ،ولم يفرّق بين رسول ورسول ،لجهة الإيمان والكفر ،كما يفعل اليهود والنصارى ،كما صدّق كل الكتب التي بين يديه ،لأنه يؤمن بالكتاب كله ،لذا تحدث عن الإنجيل ومفاهيمه ،وعن التوراة وشرائعها ،كما دعا الجميع إلى الوقوف عند ما يتفقون عليه معه ،وإلى الحوار في ما يختلفون فيه معه ،ولم يتعقد من خلاف ،ولم ينغلق على أحد .