قوله: ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ) القواعد ،جمع قاعد .وهي التي قعدت عن النكاح للكبر .أو التي قعدت عن الحيض والولد لكبرها .وحذفت منها الهاء ؛ليدل حذفها على أنه قعود الكبر .والمعنى: أن النساء اللاتي يئسن من البعولة فلا يطمعن في الأزواج ( فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) أي ليس عليهن حرج ولا إثم في وضع جلابيبهن وهي القناع الذي يكون فوق الخمار والرداء .لا إثم على المرأة الكبيرة التي لا تتشوّف للبعل أو النكاح أن تجلس في بيتها بدرع وخمار وتضع عنها الجلباب عند المحارم من الرجال وغير المحارم من الغرباء ؛لأنها في مثل هذا السن تغيب من حولها الفتنة لزهدها في النكاح من أجل كبرها ،ولانتفاء الرغبة فيها لدى الرجال .
قوله: ( غير متبرجات بزينة ) ( غير ) ،منصوب على الحال .و ( متبرجات ) ،من التبرج وهو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال{[3289]} والمعنى: لا يبتغين بوضع الجلباب إظهار الزينة لينظر إليهن .وهذا كله في حق القواعد من النساء وهن في البيوت .أما إذا خرجن فلا يحل لهن وضع الجلابيب .
وفي كل الأحوال فإن الأفضل استعفافهن عن وضع الثياب وهي الجلابيب ،والتزامهن من اللباس ما يلزم غير القواعد من كامل الثياب .فإن ذلك أكرم لهن وأفضل ،وهو قوله: ( وأن يستعففن خير لهن ) أي عدم وضعهن الجلابيب –وإن كان ذلك جائزا- خير لهن وأفضل ؛لكونه أبعد من التهمة وأقطع لقالة السوء أن يتعرضوا لهن بقبيح القول أو الإشارة ( والله سميع عليم ) الله يسمع ما يجري من حديث وما تنطق به الألسن من قول مريب .وهو سبحانه عليم بمقاصد النساء من وضع الجلابيب .عليم بما تخفيه القلوب من أسرار .
على أنه من ظواهر التبرج أن تلبس المرأة ثوبا رقيقا يصفها أو يكشف عما بداخله من جلدها أو شعرها ،وذلكم حرام ،بل إن ذلك من المحظورات التي شدد عليها الإسلام النكير .لما في ذلك من فتنة تغوي الرجال وتستهويهم للاسترخاء والسقوط .وفي ذلك روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( ص ):"صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ،ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخْت المائلة ،لا يدخلن الجنة ،ولا يجدن ريحها ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا "وقد جعلهن كاسيات ؛لأن الثياب عليهن .ووصفن بالعاريات ؛لأن الثوب إذ رقّ فإنه يصفهن ويبدي محاسنهن ،وذلك حرام .وهو قول ابن العربي .
فكيف إذا خرجت النساء على الملأ من الأجانب والغرباء وهن حاسرات الثياب وقد بدت فيهن بعض أجسادهن للعيان ،كالأذرع والسيقان والشعور وغير ذلك مما يحرم ظهوره البتة .أما قوله:"كأسنمة البخت "أسنمة ،جمع سنام ،والبخت ،نوع من الإبل .والواحد بختي ،ويجمع أيضا على البخاتي{[3290]} ؛فقد شبه رؤوس النساء الكاسيات العاريات بأسنمة الإبل لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن .وهو ما نجده اليوم في كثير من النساء ،ومنهن بعض المسلمات أو كثير منهن اللواتي غفلن عن أحكام دينهن ؛إذا أذهلتهن الحضارة المادية الحديثة .الحضارة التي بنيت على الهوى والغريزة وعبادة الشهوات{[3291]} .