ويبين الله تعالى حال القواعد من النساء ، فقال عز من قائل:
{ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 60 )} .
القواعد جمع قاعدة بالتاء ، وهي التي لا تحيض ، ولا قدرة لها على العمل ، ولا تستخدم عادة في البيوت ، وقال بعض اللغويين:القواعد هنا جمع قاعد من غير تاء وهي قعود الكبر ، وحذفت التاء ليكون الحذف مميزا لها عن غيرها ، كما حذفت التاء في حامل في حاملة لتتميز عن الحاملة على كتفها كحاملة الحطب .
وإن الآية واردة في النساء القعود عن العمل في البيت اللاتي لا يرجون نكاحا ، أي لا يطمعن في زواج ، لأنهن من الكبر العاتي يجعلهن لا يرجونه ، لهذه السن ، ولأنهن في حال لن يقبل الناس على الزواج منهن ، وهذه الأوقات التي تكشف فيها عورات غيرهن ، لا عبرة لها عندهن ، ولا تعد هذه الأوقات عورات لهن ، وليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ، أي يلقين عن أنفسهن ثيابهن ، كالخمار ونحوه ، مما يتستر به الشواب اللائي يطمع فيهن ، ويرجون النكاح لأنهن في سن الزواج ، وليس معنى ذلك أن للقواعد أن يتجردن من الثياب ، ويكن في البيت عاريات ، بل المراد أنهن يضعن بعض الثياب التي يثقل عليهن حملها ، ولذا كانت قراءة ابن مسعود ( أن يضعن من ثيابهن ){[1573]} أي بعض ثيابهن ، والبعضية ، وإن لم تكن ( من ) في القراءات الأخريات ملاحظة فيها ، وهي مفهومة من سياق القول .
وقد لاحظ الله تعالى في القرآن ما يكون من بعض العجزة من رغبة شديدة في الزينة ناسيات سنهن وما ينبغي لمثلهن ، ولذا قال:{ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} التبرج الظهور بالزينة ، أي غير مظهرات الزينة ، كأن الإسلام تسامح معهن في الزينة ، وإن لم تكن في وقتها ، بيد أنه لم يرض لهن إكراما لهن بأن يظهرن بها .
وقد فرض الله فيهن الرغبة في الرجال ، ولو كان وقتها قد فات ، فقال:{ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ} السين والتاء للطلب ، والمعنى:وأن يطلبن العفة خير لهن ، وفي هذا تنبيه كريم إلى ما ينبغي لهن من غير أن يؤذى إحساسهن ، وفيه تذكر بما ينبغي ، وبما يليق بهن في رفق قول ، وقد ختم الله تعالى الآية بقوله:{ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، أي علم علما دقيقا هو علم من يسمع ، وعليم ، فهو محيط بكل شيء علما .