قوله:{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} ( لم يسرفوا ) ،من الإسراف وهو مجاوزة الحد في النفقة .ولم يقتروا من القتر والإقتار والتقتير .وهو التضييق الذي هو نقيض الإسراف{[3349]} .
وقد اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية أو في المراد بالإسراف والتقتير وثمة قولان أساسيان في ذلك .
القول الأول: وهو لابن عباس وآخرين وهو أن الإسراف يعني الإنفاق في معصية الله تعالى .والإقتار منع حق الله تعالى .فلو أنفق أحدهم مثل جبل ذهبا في طاعة الله تعالى لم يكن ذلك سرفا .ولو أنفق صاعا في معصية الله تعالى كان سرفا .
على أنه يُعترض على هذا التفسير ،بأن الإنفاق في معصية الله معلوم أنه حرام وقد حظرت الشريعة قليله وكثيره .وإنما المراد في هذه الآية التأديب في نفقة الطاعات في المباحات .وهو ما يبينه .
القول الثاني: وهو أن المراد بالسرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع في الدنيا وإن كان من حلال .فإن ذلك مكروه ؛لأنه يفضي إلى الخيلاء .أما الإقتار فهو التضييق .
فالإفراط في الأكل فوق الشبع بحيث يمنع من القدرة على العبادة سرف .وإن أكل بقدر ما دون الحاجة أو أفرط في الشح على عياله حتى أجاعهم فهو إقتار .
قوله: ( وكان بين ذلك قواما ) اسم كان مضمر .و ( قواما ) خبر كان .والتقدير: كان الإنفاق ذا قوام بين الإسراف والإقتار{[3350]} أو كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قواما .والقوم ،معناه العدل والاستقامة{[3351]} والمراد بذلك: النفقة بالعدل والمعروف دون مجاوزة عن حد الله ولا تقصير عما فرضه الله .
وفي جملة ذلك كله قال الطبري رحمه الله .إذا أكل آكل من الطعام فوق الشبع ما يضعف بدنه وينهك قواه ويشغله عن طاعة ربه وأداء فرائضه ؛فذلك من السرف .وأن يترك الأكل وله إليه سبيل حتى يضعف ذلك جسمه وينهك قواه ويضعفه عن أداء فرائض ربه ؛فذلك من الإقتار ،وبين ذلك القوام .فأما اتخاذ الثوب للجمال يلبسه عند اجتماعه مع الناس وحضوره المحافل والجمع والأعياد دون ثوب مهنته ،أو أكله من الطعام ما قوّاه على عبادة ربه مما ارتفع عما قد يسد الجوع مما هو دونه من الأغذية ؛فذلك خارج عن معنى الإسراف بل ذلك من القوام ؛لأن النبي ( ص ) قد أمر ببعض ذلك وحض على بعضه كقوله:"ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين ،ثوبا لمهنته ،وثوبا لجمعته وعيده "وكقوله:"إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثره عليه "وما أشبه ذلك من الأخبار{[3352]} .