/م63
المفردات:
الإسراف: مجاوزة الحدّ في النفقة بالنظر لنظرائه في المال .
التقتير: التضييق والشح .
قواما: وسطا وعدلا .
التفسير:
67-{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} .
من صفات عباد الرحمان ،الاعتدال في النفقة والتوسط فيها ،فالإسلام قد جاء بنظمه في العبادات والمعاملات ،ومن هذه النظم: إخلاص الوجه لله ،والتوسط في العبادة وفي النفقة ،لقد حظي الإسلام بنظام اقتصادي متوازن ،فيه محاسن الرأسمالية والاشتراكية ،وليس فيه المساوئ التي فيهما ،فالمال مال الله ،والعبد مستخلف عن الله في إرادته ،والإنسان موظف في ماله ،عليه إخراج الزكاة والصدقة والتكافل الاجتماعي وصلة الرحم ،ومساعدة المحتاجين ،قال تعالى:{والذين في أموالهم حق معلوم*للسائل والمحروم} [ المعارج: 24-25] .
كما حرم الإسلام الشح والبخل ،قال تعالى:{ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [ الحشر:9] .
وتوعد الكانزين ومانعي الزكاة بالسعير والعذاب .قال تعالى:{والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [ التوبة: 34] .
والخلاصة
أن الفضيلة وسط بين رذيلتين ،وأن من صفة عباد الرحمان التوسط في النفقة ،والبعد عن البخل وعن الإسراف ،فالإسراف والبخل كلاهما مفسدة للحياة والمال ،والجماعات والأمم .
قال تعالى:{ولا تبذر تبذيرا* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} [ الإسراء: 26-27] .
والبخل فيه إمساك للمال عن الإنفاق في الوجوه المشروعة .
قال تعالى:{ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ...} [ محمد: 38] .
أما التوسط والاعتدال في النفقة فهو سمة العقلاء ،الذين فقهوا رسالة المال ،وجعلوه وسيلة لإصلاح أنفسهم وأقاربهم ومجتمعهم ،وأسعدوا بتصرفهم الأفراد والجماعات .
قال تعالى:{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} [ الإسراء: 29]
جاء في تفسير النيسابوري:
وصف القرآن عباد الرحمان بالتوسط في الإنفاق ،والقتر والإقتار ،والتضييق نقيض الإسراف ،وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ،ولا يلبسون ثيابا للجمال والزينة ،ولكن ما يسد جوعتهم ،ويستر عورتهم ويكنّهم من الحر والقرّ .
عن عمر: كفى شرها ألا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله . اه .
{وكان بين ذلك قواما} .
قواما: أي: وسطا بين الإسراف والبخل ،وقوام الرجل: قامته ،وحسن طوله وهيئته .
وجاء في تفسير ابن كثير طائفة من الأحاديث تمدح التوسط في النفقة والاعتدال والقصد ،مثل:
قال الحافظ أبو بكر البزار: عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أحسن القصد في الغنى ،وما أحسن القصد في الفقر ،وما أحسن القصد في العبادة ) ثم قال: لا نعرفه يروى إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه .
وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله تعالى فهو سرف ،وقال غيره: السرف: النفقة في معصية الله عز وجل .