قوله:{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} قالت بلقيس لمن حولها من الحاشية والأشراف عقب عرضهم أنفسهم عليها لقتال سليمان: إن الملوك إذا دخلوا بلدا أو مدينة عنوة وقهرا{أَفْسَدُوهَا} بالقتل والتخريب والإذلال .وهو قوله:{وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} أي أهانوا أشرافها وكبراءها فجعلوهم أذلة مقهورين{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} هذا من قول بلقيس ،تأكيدا لما قالته عن إفساد الملوك لما يحتلونه ويقهرونه من البلاد والعباد .
وقيل: هذا من قول الله ،إذ يبين لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمته ما يفعله الملوك إذ غلبوا أهل القرية ودخلوها عنوة ،وإنما يفعل ذلك من الملوك الذين يحكمون بشرائع الضلال والجاهلية ،الشرائع القائمة على الظلم والشر والباطل ،والتي تسوّل للساسة والأمراء والملوك الطغاة أن يفعلوا الآثام والمنكرات والمعاصي .أولئك هم ملوك الضلال والباطل الذين يشاقون الله ورسوله ،ويسعون في الأرض فسادا ،ويسوسون الناس بغير ما أنزل الله بل يسوسونهم بالكفر وأنظمة الجاهلية ،ويقودونهم بالبطش والتنكيل .أما الملوك الذين يخشون ربهم يحكمون الناس بشريعة الله ،شريعة العدل والفضل والرحمة والاستقامة .فأولئك لا يفسدون البلاد ولا يسعون في خرابها وتدميرها بل ينشرون فيها الخير والفضيلة والهداية .ويرسخون فيها العدل والرحمة والاستقرار .