قوله تعالى:{أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .
جعل الله قرارا ،أي مستقرا .فكانت ساكنة ثابتة لا تتحرك بمن عليها أو تضطرب ليطيب عليها العيش وتستقيم الحياة .وقد زيّن الله الأرض بأنواع مختلفة من ظواهر الزينة لتزداد صلوحا وجمالا .إذ جعل الأنهار العذبة تتفجر من خلالها فيشرب منها العباد وتستقي الدواب والحرث .
قوله:{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} رواسي أو راسيات ،أي جبال ثابتة راسخة والمفرد راسي أو راسية{[3454]} .والمعنى: أن الله أرسى في الأرض جبالا ضخاما شواهق لتثبت بها وتستقر فلا تميد أو تتحرك أو تضطرب .ذلك أن الأرض إذا ما قيست بغيرها من الأجرام الكونية الهائلة فإنها بالغة الصغر والبساطة .وهي بذلك هينة خفيفة توشك أن تميد وتضطرب أو تتطاير في أجواز الفضاء لدى دورانها حول الشمس .لكن الجبال الهائلة الثقال أرست الأرض وثبتتها تثبيتا لتكون راسخة مستقرة متماسكة وهي تدور دورتها الرتيبة المنتظمة .
قوله:{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} أي جعل الله بين المياه العذبة من أنهار وعيون وغيرها ،وبين البحار الملحة حاجزا وهو المانع من الأرض اليابسة والجبال الراسيات الشم ليحول دون اختلاط الماء من الصنفين .
ولا يقتصر المانع على الحواجز من الأرض والجبال ،بل يحتمل أن تكون الأسباب الكونية وظواهر الطبيعة كعوامل الجاذبية أو المد والجزر ضربا من ضروب الحاجز الذي يحول دون الاختلاط بين الماءين .وكيفما يكون الحاجز أو المانع فإن ذلك كله منن صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه .
قوله:{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} إذا تبين ذلك كله وثبت أن الله أتقن كل شيء وأودع في الطبيعة والكائنات نواميسها وقوانينها المنسجمة المؤتلفة المتكاملة ،فهل بعد ذلك من إله يستحق العبادة غير الله ؟
قوله:{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أكثر الناس لا يقدرون الله حق قدره ،ولا يدركون بالغ قدرة الله وعظيم جلاله وسلطانه .