قوله تعالى:{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ( 62 ) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 63 ) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} .
الله الذي يسمع دعاء المكروبين والملهوفين والمظلومين من عباده .فما يجأر العبد إلى ربه بالدعاء في تضرع إليه وتذلل إلا كان الله في عونه ؛إذ يستجيب له الدعاء .
وهو قوله:{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} و{الْمُضْطَرَّ} ،من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء ،واضطره إليه ،أحوجه وألجأه ،فاضطر ،بضم الطاء ،والاسم الضرورة وهي الحاجة{[3455]} وعلى هذا فإن المضطر هو ذو الحاجة الملهوف الذي نزلت به نازلة كمرض أو فقر أو ظلم أو غير ذلك من وجوه النوازل التي تحيق بالمرء ،فتلجئه إلى التوجه لربه داعيا منكسرا لعله يكشف عنه البلاء .والله جلت قدرته خير راحم ومجيب يكفكف بقدرته ورحمته الضر والكرب عن المضرورين والمكروبين .
على أن الدعاء من العباد يأتي في الطليعة من ضروب العبادة والإنابة .والله سبحانه يحب من عبده أن يلح عليه في الدعاء راجيا متوسلا ،وهو سبحانه حقيق بالاستجابة والقبول .وثمة دعوات مستجابات لا ترد بل يستجيب الله لأصحابها الداعين بها فيكشف عنهم الكرب والسوء والهم ويحقق لهم الراحة والسلامة والسكينة .وفي الحديث الصحيح:"ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ،ودعوة المسافر ،ودعوة الوالد على ولده ".
والمظلوم له في الدعاء شأن خاص ومميز ليكون دعاؤه مستجابا .ويستوي في ذلك كونه مؤمنا أو فاسقا أو كافرا ،فإن دعاءه مستجاب ؛لكونه مظلوما قد حاق به ضرب من ضروب الظلم .ومن صفات الله ،العدل المطلق والرحمة الكاملة .وهو سبحانه لكامل عدله ورحمته ورأفته بالعباد ،يكره الظالمين الذين يجورون ويظلمون الناس ،وقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما .وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ لما وجهه إلى اليمن:"واتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب ".
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام فيقول الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ".
ومن حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر ".
قوله:{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ} أي يخلف بعضكم بعضا فيهلك قوما ويأتي بآخرين .
قوله:{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} استفهام إنكار وتوبيخ .أي هل من أحد سوى الله قادر على فعل ذلك من إنعام النعم وخلق الخلائق وإجابة الدعوات من المضطرين والمظلومين .
قوله:{قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}{مَّا} ،اسم موصول .{قَلِيلًا} ،منصوب على أنه صفة لمصدر مقدر ،وتقديره: تذكرا قليلا يذكرون{[3456]}أي قليلا ما يتذكرون نعم الله .