{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} فهو الذي يرجع إليه المضطر إذا ضاقت به الأمور ،واشتدت عليه الضغوط ،وكثرت حوله التحديات ،وتعقدت أمامه المشاكل حتى بدأ يحس بالاختناق ،ويشعر بالحصار الذي يطوِّقه من جميع الجهات ،فيرجع إلى ربه في إحساسٍ خفيٍّ بالحاجة إليه ،وبأنهوحدهالذي يملك التخفيف عنه ،والإِجابة له ،وكشف السوء عنه ،من خلال الوسائل الطبيعية التي أعدّها الله في الكون والحياة ،أو من خلال الوسائل غير الطبيعية التي يهيّئها له من غامض علمه ،وخفايا قدرته .
فقد تكفل الله لعباده باستجابة الدعاء ،وأرادهم أن يتوجهوا إليه بذلك كلما وقعوا في الاضطرار ،ووقعوا في قبضة السوء والبلاء .فمن هو القادر على ذلك كله ،وهل يملك غيره ممن تدعونهم من دون الله ،القدرة على تحقيق أماني العباد ومطالبهم واستجابة دعائهم في كل ذلك ؟وقد أراد الله لعباده أن يشعروا دائماً بالحاجة إليه في كل مواقع الضعف والشدّة والبلاء ،وبالارتباط به في كل أوضاعهم الخاصة والعامة ،وبالحقيقة الإيمانية التي توحي إليهم بأنهوحدههو سرّ الفرج والعافية والحياة ،كما أراد لهم أن يتحسسوا ذلك في مشاعرهم ،ويدركوه في عقولهم ،ويعبروا عنه بألسنتهم ،ويحركوه في حياتهم في وقوفهم بين يديه ،وابتهالهم إليه بالدعاء ،وركوعهم وسجودهم أمامه ،في ما يثير في وجدانهم التواصل معه حتى في القضايا الصغيرة التي تمر بحياتهم .وقد وعدهم الله بالإجابة في رفع اضطرار المضطر وكشف السوء عن المبتلى ،وتفريج كرب المكروب ،وتنفيس غم المغموم ،في ما ينزل عليهم من ألطافه ،ويحركه في حياتهم من أسبابه ،وفي ما يهيى لهم من الوسائل الكفيلة بذلك من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون ،فهو يعرف شؤونهم ،وعمق حياتهم ،والمصلحة في ذلك كله ،لأنهم قد يطلبون ما يرغبون فيه مما لا يتناسب مع مصلحتهم ،وقد يحسبون ما لا خير فيه ،خيراً لهم .
وهكذا تكفل الله لعباده بإجابة الدعاء في مواقع رحمته بما يتناسب مع نظام الحياة ،ومصلحة الإنسان ،وأراد للدعاء أن يثير في نفس الإنسان المؤمن المشاعر الإيمانية في حركة الغيب المنطلق في رحاب الله ،بالإضافة إلى الأحاسيس الطبيعية في حركة السنن الكونية المنطلقة من إرادة الله في حركة الكون ،لئلا يغرق الإنسان في الأحاسيس المنفعلة بالمادة فينسى الله ،أو يعيش في حصار المشاكل الضاغطة على حياته ،فيقع في قبضة اليأس من روح الله ،أو يفقد المتنفس للفرج في حالات الضيق والشدة ،فيختنق في داخل مشاعره المحاصَرة ،ليبقى يثير التساؤل في عقله ووجدانه ،ليحدد اتجاه السير في حياته الروحية الإيمانية{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} .
{وَيَجْعَلُكُمْ خلَفاءَ الأرض} في ما يمهّده لكم فيها من ساحات الحياة ،ويمكنكم فيها من القدرات التي تستطيعون من خلالها أن تحرِّكوا كل عناصرها وتنظّموا أوضاعها ،وتقودوا حركتها ،وما يسخره لكم منها من قوى وقوانين ،بحيث تخضع لكل ما تريدون وتحبون .وتلك هي الكرامة التي أكرمكم فيها الله من موقع إنسانيتكم ،فجعل الأرض تحت تصرفكم واختياركم في ما أراده لكم من حركةٍ وخطة حياة ،وحمّلكم من عبء المسؤوليّة في وعي الرسالة في امتداد الأرض وامتداد الزمن ،بحيث جعل لكل جيل منكم مرحلةً يخلف فيها الجيل المتأخر الجيل المتقدم ،لتبقى مسألة الخلافة في الأرض للإنسان ،ساحةً للمسؤولية العامة ،وحركةً في معنى الزمن الذي لا يعيش الفراغ في كل مواقعه من حركة الإنسان فيه ،وبذلك كانت علاقة الإنسان بالله تنطلق في عمق الحاجة إليه ،حيث يلجأ إليه ليكشف عنه السوء في كل ما يعرض له من مشاكل الحياة وآلامها عندما تضيق به الأمور ،فلا يجد ملجأً إلا في رحاب الله ،وفي ما يمهده له من خلافة الأرض ،ما يجعل وجوده فيها وحركته في ساحتها خاضعاً لإرادته في كل شيء ،فكيف يغفل الإنسان عن ذلك كله فينسى ربّه ؟وهل يملك لنفسه شيئاً بعيداً عن إرادة الله الذي يحيط بوجوده كله ؟{أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} أيّها الغافلون الذين يكفرون بالله ،ويستغرقون في شهواتهم وملذاتهم وأوضاعهم اللاهية ،فيعيشون في غيبوبة النسيان ،ولا يدركون ما هناك من مسؤوليات وما ينتظرهم من النتائج الصعبة في يوم القيامة .