أم للإضراب الانتقالي ، ودالة على الاستفهام المتضمن معنى المعادلة والموازنة ، بين الله تعالى خالق الكون وما فيه ومن فيه ، وأوثانهم التي يعبدونها .
وإن الإضراب الانتقالي مؤداه أنه انتقال من لوم وتوبيخ إلى لون آخر فيه أشد تأنيبا ، وأبعد استنكارا وكلمة{ جعل الأرض} ، أي خلق الأرض ، ومهدها تمهيدا ، بحيث جعلها ذات قرار وإقامة ، واستمكانا للأحياء يمكنون فيها ويتخذون مساكن ، من البناء أو الأخبية ، وجعل من خلالها أنهارا أي في أوساطها وأجزاء منها أنهارا مياها عذبة تكون ذات مناظر بهيجة ، وتلطف حرارتها ، وترطبها ، وتذهب بجفافها ، وتكون منها المياه العذبة ، منها إنبات الزرع وفلق الحب والنوى ، والكلأ الذي يأكل الذي يأكل منه الحيوان ، وتتغذون به ، وتكون منه إبلكم التي فيها جمال حتى تريحون ، وحين تسرحون .
{ وجعل لها رواسي} أي جبالا رواسي ثابتة تثبت الأرض ، وهي لها كالأوتاد ، وتنحتون فيها بيوتا ، ويكون فيها مزارع وأشجار ونخيل ، بل غابات تحمي الأنفس ، كما نرى في جبال الجزائر وجبال الشامات ، وفيها جبال جرد وغرابيب سود ، أي أن فيها متعة ومنعة ، وقوة بأس .
وما في الأرض اجتماع المياه العذبة والمياه التي فيها ملح أجاج ، وتجاوزهما من غير أن يختلط أحدهما بالآخر ، بل يكون العذب الفرات بجوار الملح الأجاج ، ومع تجاورهما لا يختلطان كأن بينهما بقدرة الله القادر القهار ، حاجزا يحجز أحدهما ذا الثقل وهو الملح عن الأخر الخفيف ، ولذا قال تعالى:{ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} أي جعل بين بحر العذب الفرات والبحر الأجاج حاجزا ربانيا لا يجعل أحدهما يختلط بالآخر ، كما قال تعالى:{ مرج البحرين يلتقيان ( 19 ) بينهما برزخ لا يبغيان ( 20 )} [ الرحمن] .
هل يستوي خالق هذا ، ومبدع الأرض ذلك الإبداع مع أوثان لا تضر ولا تنفع ، ولذا قال تعالى نافيا عنها الألوهية{ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} الاستفهام إنكاري لإنكار الوقوع ، والمعنى لا إله مع الله ، بل هم قوم لا يعلمون ، ومن للإضراب الانتقالي وهم لا يعلمون ، أي لا علم لهم ، ويتجدد جهلهم بتجدد أفعالهم أفعالهم ، ولذلك كان التعبير بالمضارع الدال على التصوير ، وتجدد الفعل بتجدد أفعالهم وإنكارهم .