قوله:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ}{الْمَرَاضِعَ} جمع مرضع ،وهي المرأة التي ترضع ،والمعنى: أننا منعناه من الارتضاع من قبل أن تجيء أخته .أو من قبل أن ترده على أمه .وهذا تحريم منع وليس تحريم شرع ،فقد أحدث الله في نفس موسى وفي طبعه نفارا عن لبن سائر النساء ،فلذلك لم يرضع من واحدة منهن ،وكان ذلك كله بتقدير الله وتدبيره وتصريفه للأمور كما يشاء وفقا لحكمته البالغة وإرادته المطلقة ؛بل إن ما جرى لموسى من أول سيرته حتى آخرها كان مقدورا ومسطورا في علم الله ؛سواء في ذلك نجاته من فرعون ،وكون فرعون عقيما لا يلد ،وكون زوجته مؤمنة ،لتحب موسى وتحنو عليه ،.ثم نفاره من الرضاع من سائر النساء وإرضاعه بإنفاق ورعاية من فرعون نفسهن ثم قتله القبطي وفراره إلى مدين ،ثم رجوعه إلى مصر لتبليغ رسالة الله للناس كل هذه الأحداث كانت متوافقة مترابطة ومقدوره حتى تتم إرادة الله وينفذ حكمه .
قوله:{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أرادت أخت موسى أن تدل آل فرعون على آل بيت يضمنون رضاعه والقيام بما يصلحه تماما{وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} أي لا يخونونه ولا يفرّطون فيه ،بل يبذلون له كامل النصح والرعاية وإخلاص العمل .
فلما قالت أخت موسى ذلك سألوها أن تدلهم عليه ،فذهبت بهم إلى منزل أهلها ومعهم موسى .ولما دخلوا به على أمه فأعطته ثديها التقمه ففرحوا بذلك فرحا كبيرا . فاستدعتها امرأة فرعون ثم سألتها أن تمكث عندها فترضعه ،فاعتذرت لها بأن لها بعلا وأولادا فلا تقدر أن تبرحهم لتقيم عندها بجانب فرعون ،فقبلت منها أن تعود بموسى إلى بيتها لتمكث فيه وتقوم بإرضاعه ورعايته وإصلاح شأنه ،وفي مقابل ذلك أجرت عليها امرأة فرعون النفقة والعطاء وجزيل الإحسان .وبذلك قد أنجز الله وعده له برده إليها وهو قوله:{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ}