قوله:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} ما كان لقوم إبراهيم المشركين من حجة أو برهان على صدق عبادتهم إلا السفه والحماقة والتعصب .إنهم لا يملكون أيما دليل يقولونه لإبراهيم ؛إذ دعاهم إلى عبادة الله وحده وأراد تبصيرهم بحقيقة هذه الأصنام التي يعبدونها على أنها حجارة صماء لا تضر ولا تنفع ،ولا تعقل ولا تسمع .لم يكن جوابهم إلا أن قال بعضهم لبعض:{اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} وذلك جواب المستكبرين العتاة الذين أُفرغت أذهانهم من كل منطق أو حجة فما يملكون إلا الخطاب في اغترار وصلف وعجرفة .وذلك هو ديدن الطغاة والمتسلطين المفلسين من الناس ،الذين يستضعفون المؤمنين ويستذلونهم أيما استذلال .وهم إذا خاطبهم أمين رشيد يروم هدايتهم واستقامتهم ؛انتفخت أوداجهم غضبا واستكبارا وراحوا يتهددون ويتوعدون .وهكذا كان قوم إبراهيم ؛إذ قالوا فيما بينهم متشاورين متمالئين{اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} مبالغة في التحريق .فقد ألقوه في نار متأججة مستعرة تأتي على ما يلج فيها ؛ليصير إلى رماد لولا أن الله أنجاه بفضله ورحمته{فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لم يتأذَّ إبراهيم من النار ؛إذ جعلها الله عليه بردا وسلاما .فقد كان في تنجيته من النار دلالات ظاهرة على قدرة الله البالغة ،وعبرة لكل ذي عقل وبصر .وهي عبرة قائمة ،وعظة مكشوفة يتدبرها المؤمنون المصدقون في كل زمان .