قوله:{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ما ،في قوله:{إِنَّمَا} تحتمل وجهين .أحدهما: أن تكون اسما موصولا بمعنى الذي ،في موضع نصب اسم إن .والتقدير: إن الذين اتخذتموهم من دون الله أوثانا .
وثانيهما: أن تكون ما ،كافة عن العمل ،فيكون أوثانا منصوبا على أنه مفعول للفعل اتخذتم .ومودة منصوب على أنه مفعول لأجله ؛أي إنما اتخذتم الأوثان للمودة فيما بينكم{[3553]} .
وعلى هذا يكون المعنى: إن إبراهيم قال لقومه المشركين موبخا لهم توبيخا: إنما اتخذتم هذه الأصنام معبودة لكم من دون الله لأجل التودد ،والتواصل فيما بينكم ولاجتماعكم على عبادتها ،أو جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا} أي تنقلب الخلُة يوم القيامة عداوة على أصحابها فيفترق الأخلاء يومئذ ويتباغضون ،ويتبرأ الصّحاب المتوادون على الأصنام ،بعضهم من بعض يوم القيامة ،ويلعن بعضهم بعضا بعد أن كانوا في الدنيا متواصلين مجتمعين على الباطل .
وهذه هي حال المجرمين الظالمين الذين يجمعهم الباطل وتشدهم عُرى الفساد والضلال على اختلاف ضروبه ومسمياته في الدنيا ،ليكونوا يدا واحدة على الحق وأهله ،أو على الإسلام والمسلمين .لكنهم إذا سيقوا يوم القيامة إلى ربهم غشيهم الذل والمهانة وأرهقهم الذعر والخزي والعار فانقلبوا بين يدي الله خزايا متفرقين ،وقد كفر بعضهم ببعض ولعن بعضهم بعضا .ثم مصيرهم جميعا إلى النار وبئس المأوى والقرار .وهو قوله:{وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} ليس لهم حينئذ من مجير ولا نصير يكشف عنهم البلاء أو يدرأ عنهم شيئا من العذاب وإنما هم مجتمعون في النار يتقاحمون فيها كما تتقاحم القردة بلعن بعضهم بعضا ،ويكيل بعضهم لبعض التَّسابَّ والتشاتم واللعائن{[3554]} .