{ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي لتتوادوا بينكم وتتواصوا ،لاجتماعكم على عبادتها{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا} أي تتجاحدون ما كان بينكم ،ويلعن الأتباع المتبوعين ،والمتبوعون الأتباع .كما قال تعالى{[6044]}:{ كلما دخلت أمة لعنت أختها} وقال تعالى{[6045]}:{ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}{ وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} .
تنبيه:
قال السمين:في ( ما ) من قوله تعالى{ إنما اتخذتم} ثلاثة أوجه:
أحدها – أنها موصولة بمعنى{ الذي} والعائد محذوف ،وهو المفعول الأول و{ أوثانا} مفعول ثان .والخبر{ مودة} في قراءة من رفع .والتقدير:إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة ،أي ذو مودة ،أو جعل نفس المودة مبالغة .ومحذوف على قراءة من نصب{ مودة} أي:الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم ،أو يكون عليكم ،لدلالة قوله:{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ} .
والثاني – أن تجعل ( ما ) كافة و{ أوثانا} مفعول به .و ( الاتخاذ ) ها هنا متعد لواحد أو لاثنين ،والثاني هو{ من دون الله} فمكن رفع{ مودة} كانت خبرا مبتدأ مضمر ،أي هي مودة أي ذات مودة .أو جعلت نفس المودة مبالغة .والجملة حينئذ صفة ل{ أوثانا} أو مستأنفة .ومن نصب كان مفعولا له ،أو بإضمار ( أعنى ) .
الثالث – أن تجعل ( ما ) مصدرية ،وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول .أي:أن سبب اتخاذكم أوثانا مودة ،فيمن رفع{ مودة} ويجوز أن لا يقدر ،بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة .ومن القراء من رفع{ مودة} غير منونة وجر{ بينكم} ومنهم من نصب{ مودة} منونة ونصب{ بينكم} ومنهم من نصب{ مودة} منونة وجر{ بينكم} .فالرفع تقدم .والنصب تقدم أيضا فيه وجهان .وجوز ثالث ،وهو أن يجعل مفعولا ثانيا عن المبالغة والإضافة ،للاتساع في الظرف .
ونقل عن عاصم أنه رفع{ مودة} غير منونة ونصب{ بينكم} وخرجت على إضافته{ مودة} للظرف .وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن .اه .
وأشار العلامة القاشاني إلى جواز أن يكون قوله تعالى:{ في الحياة الدنيا} خبرا ل ( ما ) إن كانت اسمية .وهو وجه لم يتعرض له المعربون هنا ،ولا مانع منه .وعبارته:
إنما اتخذتم من دون الله ،شيئا عبدتموه مودودا فيما بينكم{ في الحياة الدنيا} أو:إن كان كل ما اتخذتم من دون الله ،شيئا مودودا فيما بينكم في الحياة الدنيا ،أو:إن كل ما اتخذتم أوثانا مودود في هذه الحياة الدنيا .أو لمودة بينكم في هذه ،على القراءتين .
ثم قال:والمعنى أن المودة قسمان:مودة دنيوية ،ومودة أخروية .والدنيوية منشؤها النفس ،والأخروية منشؤها الروح .فكل ما يحب ويود من دون الله ،لا لله ولا بمحبة الله ،فهو محبوب بالمودة النفسية .وهو هوى زائل ،كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات ،فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج .فإذا انحل التركيب وانحرف المزاج ،تلاشت وبقي التضاد والتعاند ،بمقتضى الطبائع ،لقوله تعالى:{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ} الآية .ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن .
وأما الأخروية فمنشؤها المحبة الإلهية .وتلك المودة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء ،لتناسب الصفات ،وتجانس الذوات ،لا تتصفى غاية الصفاء إلا عند زوال التركيب .فيصير يوم القيامة محبة صرفة الهيئة ،بخلاف تلك .انتهى .