قوله تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ( 41 ) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 42 ) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} .
مثل وما بعده ،مبتدأ ،وخبره الكاف في قوله:{كمثل}{[3568]} والأولياء: جمع ومفرده الولي .ومعناه المحب والصديق والنصير .ومنه المولى وهو الحليف والرب والناصر والمنعم{[3569]} .
وهذا مثل ضربه الله المشركين من الناس الذين يتخذون لهم من دون الله أنصارا وأعوانا ومتبوعين يتولونهم ويركنون إليهم ويحبونهم كحب الله أو أشد ،فيتوجهون إليهم بالعبادة والخضوع والامتثال أو الإذعان الوجداني بالإحساس والمشاعر .وهم في ذلك يبتغون عندهم النصرة والعون والتأييد ويرجون منهم تحصيل ما يشتهون من منافع وحاجات دنيوية ؛كالجاهات والدرجات والعزة ووافر الأموال .
على أن الأولياء المقصودين أصناف متعددة ومختلفة ،منها: الأصنام والأوثان .ومنها: الثراء الفاحش والأموال الطائلة ،ومنها: حب الشهرة والاستعلاء والظهور ،ومنها: الساسة الطغاة والمتجبرون من الحكام وأولي السطوة والسلطان .وغير ذلك من وجوه الأنداد والمعبودين الذين يتخذهم الضعفاء والخائرون والغافلون آلهة من دون الله يلجئون إليهم ،ويثوون إلى جانبهم تمام الثواء ويركنون إلى سلطانهم وجاههم تمام الركون ،ويحومون من حول حماهم وحصونهم حوم الذباب على الفتات المتساقط ؛هؤلاء هم المشركون السفهاء والمغفلون والواهمون يتزاحمون من حول متبوعيهم ومعبوديهم على اختلاف أسمائهم ومسمياتهم ؛إذ يخاطبونهم في هوان وضَعَة وخَوَر ويتحدثون إليهم أحاديث المرذولين الخانعين .أولئك جميعا مثلهم{كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} والعنكبوت في ذاته من الحشرات الصغيرة الضعيفة ،يصنع لنفسه بيتا رقيقا مهلهلا وفي غاية البساطة والهوان .وهو نسيج من خيوط واهية متشابكة هشة لا تصون ثاويا ،ولا تحمي مستكنا ،ولا ترد عما بداخله أيما أذى أو ضُر .وهو بيت هزيل ومضطرب وفي غاية الهشاشة لا يدفع عن صاحبه حر الشمس اللافحة ،ولا يصد عنه قرَّ البرد القارس اللاسع .وهو قوله:{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ} من الوهن وهو الضعف .لا جرم أن بيت العنكبوت بخيوطه الرقيقة الواهية لهو غاية البساطة والضعف .وهو في هذا الحال من الهوان والبساطة لا يقي العنكبوت بداخله من الأذى ولا يحميه من عبث العابثين ولا يصد عنه أيما اختراق من ماء أو ريح أو شمس .فهو بداخله غير مصون ولا مكين .
وتلك هي حال الأتباع من المشركين الواهمين الذين يلهثون وراء معبوديهم من الأصنام والأنداد على اختلاف أجناسهم وأسمائهم ؛إنهم لا يجدون في كنفهم وحماهم غبر الفشل والخذلان والخسران ،وسوف لا يبوءون من وراء استجدائهم غير الذلة والابتئاس .
قوله:{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لو كان هؤلاء المشركون الذين اتخذوا من دون الله أندادا آلهة يعلمون أن عبادتهم لا قيمة لها ،وأن الذين ركنوا إليهم من المعبودين أشبه ببيت العنكبوت الواهن الهزيل ،لما اتخذوا من دون الله أولياء .