قوله: ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) هذه صفات للمتقين في قوله: ( أعدت للمتقين ) وتلكم هي الصفات .
الصفة الأولى: الإنفاق في السراء والضراء ،أي في اليسر والعسر .وقيل: الرخاء والشدة ،وقيل: الصحة والسقم .والظاهر ما جملته الغنى والفقر .فهم ينفقون من أموالهم في كل حال من أحوال الغنى والفقر أو الشدة والسعة .
الصفة الثانية: كظم الغيظ ،أي رده في الجوف .يقال: كظم غيظه إذا اجترعه أو سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل{[585]} والغيظ هو أصل الغضب .وكاظم الغيظ الذي إذا ثار به الغضب كتمه ولم يعمل به .وذلك من أقسام الصبر والحلم وترفع النفس عن الانزلاق إلى مساءات الغضب .
وفي إطراء الكاظمين الغيظ وامتداحهم روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ".
وروى الإمام أحمد أيضا عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ما تعدون الصّرعة فيكم "قلنا: الذي لا تصرعه الرجال ،قال:"لا ،ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب ".
وروى الإمام كذلك عن رجل شهد النبي صلى الله عليه و سلم يخطب فقال:"أتدرون من الصعلوك ؟"قالوا: الذي ليس له مال .فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال فمات ولم يقدم شيئا "ثم قال:"ما الصُّرعة ؟"قالوا: الصريع الذي لا تصرعه الرجال فقال صلى الله عليه و سلم:"الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر شعره فيصرع غضبه ".
الصفة الثالثة: العفو عن الناس .والعفو معناه المحو والصفح وترك العقوبة{[586]} وذلك مقتضى قوله: ( والعافين عن الناس ) والمراد بالناس العموم في ظاهر الآية سواء فيهم الضعفاء والأقوياء ،الأغنياء والفقراء .والمطلوب الصفح عن كل أحد في كل المساءات والمظالم مادام العافي مقتدرا على الانتصار لنفسه وأخذ حقه من المسيء .والأصل في ذلك أن العفو في ذاته شيمة رفيعة من شيم الأبرار المتقين .
وهو درجة مثلى من مقامات الإحسان الذي يستحق الإطراء والثناء ؛ولهذا قال سبحانه وتعالى: ( والله يحب المحسنين ) .