/ت133
قوله تعالى: [ أعدَّت للمتَّقين] ،وتفصيل الموضوع في هذه الصفات في عدّة نقاط:
1[ الذين ينفقون في السَّرَّاء والضَّرَّاء] الإنفاق على النَّاس في حالتي الشدّة والرخاء ،ما يعني أنَّ هذا الإنفاق ليس حالةً طارئةً في ذات التّقي ،يختص بأريحية الإنسان في حالات الرخاء ،بل هو حالةٌ أصيلةٌ تحرّك الإنسان نحو العطاء حتّى في أشدّ حالات الضيق والضرّ .
2[ والكاظمين الغيظ] الذي يعبّر عن الإرادة القويّة التي يواجه بها الإنسان حالات الانفعال التي تدفعه إلى الاندفاع في تفجير الغيظ الذي تمتلئ به نفسه تجاه الآخرين ،فلا يسمح لها بأن تجرّه إلى ذلك مما لا تحمد عقباه ،بل يُحاول أن يحبس غيظه في صدره .
3[ والعافين عن النَّاس] الذي يمثِّل الروح المتسامحة الطيبة التي لا تنطلق من عقدةٍ نفسية داخليّة عندما تكظم غيظها ،بل تعمل على التخلّص من كلّ أجواء الغيظ بتفريغ النفس من كلّ الحالات السلبيّة التي تثيره وتعقّده ،وذلك بأن يتلمس أسباب العفو في دراسته للنقص الذي رُكّب في الإنسان أو للظروف الداخلية أو الخارجية التي دفعته نحو الخطأ ،أو بغير ذلك مما يوحي بالأسباب التخفيفيّة الباعثة على العفو عنه ،واعتبار كأنَّ الخطأ لم يكن في كلّ سلبياته الذاتية ،وهذا ما يجعل من الأمر بالصبر وكظم الغيظ وسيلة للتهدئة والتبريد الداخلي ،من أجل دفع الإنسان إلى التفكير الهادئ المتّزن الذي لا يتعامل مع العنف ،بل يتعامل مع الرفق واللين ،ولا يندفع في اتجاه تعقيد المشاكل ،بل يعمل على حلّها مهما أمكن ،ذلك هو السبيل الذي يجعل من العفو حالة واعية واقعية بدلاً من أن تكون حالة مزاجية طارئة لا ترتكز على أساسٍ من وعي وفكرٍ وإيمان .
4[ واللّه يُحبُّ المحسنين] قد تكون هذه صفةً رابعة توحي بأنَّ العفو وحده لا يكفي في إزالة النتائج السلبيّة إزاء الحالة النفسية التي أوجدها الغيظ ،فلا بُدَّ من الإحسان لتتحوّل السلبيّات إلى إيجابيات ...وهذا ما يمكن أن تعبّر عنه القصة المرويّة في سيرة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين ( ع ) الذي كانت إحدى جواريه تصبّ الماء من الإبريق على يده ،فسقط على رأسه فشجّه فقالت له: [ والكاظمين الغيظ] ،فقال: قد كظمت غيظي ،فأردفت: [ والعافين عن النَّاس] ،فقال: قد عفوتُ ،فقالت: [ واللّه يُحبُّ المحسنين] ،فقال: اذهبي فأنتِ حرّةٌ لوجه اللّه .