مناسبة النزول:
جاء في المجمع: «روي أنَّ قوماً من المؤمنين قالوا: يا رسول اللّه ،بنو إسرائيل أكرم على اللّه منّا ،كان أحدهم إذا أذنب أصبحت كفّارة ذنبه مكتوبةً على عتبة بابه: ( اجدع أنفك أو أذنك افعل كذا ) .فسكت رسول اللّه( ص ) ،فنزلت الآية ،فقال: ألا أخبركم بخير من ذلكم ؟وقرأ عليهم هذه الآية ،عن ابن مسعود ،وفي ذلك تسهيل لما كان قد شدّد فيه على بني إسرائيل ،إذ جعل الاستغفار بدلاً منه .وقيل: نزلت في نبهان التمار ،أتته امرأة تبتاع منه تمراً ،فقال لها: إنَّ هذا التمر ليس بجيّد ،وفي البيت أجود منه ،وذهب بها إلى بيته فضمّها إلى نفسه فقبّلها ،فقالت له: اتّق اللّه ،فتركها وندم ،وأتى النبيّ ( ص ) ،وذكر له ذلك ،فنزلت الآية ؛عن عطاء »
في هذه الآيات دعوةٌ للمؤمنين إلى الإسراع في الحصول على المغفرة من اللّه ،بالعمل على تحصيل أسبابها التي جعلها اللّه في الانسجام مع خطّه المستقيم في العقيدة والتشريع ،وفي الوصول إلى الجنّة الواسعة التي عرضها السَّماوات والأرض في إيحاءٍ بالامتداد الواسع ...ولعلّ في هذه الدعوة إلى الإسراع ،بعض الإيحاء بأنَّ العمر الذي يعيشه الإنسان فرصة سانحةٌ قد لا تمتد طويلاً ،فمن الممكن أن يكون قصيراً لا يتسع للانتظار الطويل ،فلا بُدَّ من اغتنامه كفرصةٍ لا تعوّض ،ما يقتضي بذلك الجهد في اتجاه الطاعة بأسرع وقتٍ ممكن للحصول على نتائجها الدنيوية والأخروية .
[ وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكُم] بالسير في خطّ الطاعة ،والبُعد عن خطّ المعصية ،بالالتزام بأوامر اللّه ونواهيه من خلال الإسلام في عقائده ومفاهيمه وشرائعه ،فإنَّه السبيل الأقوم للحصول على مغفرة اللّه سبحانه .
وقد ذكر المفسِّرون وجوهاً في تفسير المراد من قوله: [ وجنَّةٍ عرضُها السَّموات والأرض] فهل ذلك ثابتٌ في حالة ضمّ بعضها إلى بعض ،أم أنَّ ذلك كنايةٌ عن السعة ،من دون أن يكون فيه نوعٌ من الدقة في التحديد ،أم أنَّ هناك وجهاً آخر غير ذلك ...؟ربَّما كان الأقرب أنَّها واردة مورد الكناية عن السعة ،لأنَّ السياق لا يقتضي أكثر من ذلك ،بل يوحي بشيءٍ من هذا القبيل ،ومع ذلك فإنَّ تحقيق هذا غير مهم من ناحية الفكرة العامّة للآية ،وهي التركيز على الصفات المميّزة للمتَّقين الذين أعدّت لهم هذه الجنّة ،وهي صفات خمس ،ثلاث منها تتصل بطبيعة حركة العلاقات الاجتماعية التي تربط المتَّقين بالنَّاس في حيوية الممارسة وإنسانيتها وطهارتها وفاعليتها ،وذلك هو قوله تعالى: [ أعدَّت للمتَّقين]