قوله: ( تولج الليل في النهار ) الولوج بمعنى الدخول{[440]} والمراد في هذه الآية أن الله يأخذ من ساعات الليل فيجعلها في ساعات النهار فيكون الليل بذلك قصيرا ويجعل ذلك القدر الزائد داخلا في النهار .وتارة على العكس من ذلك .وهو أن الله يأخذ من ساعات النهار فيجعلها في ساعات الليل فيكون النهار بذلك قصيرا .أي أنه يزيد في ساعات الليل ما نقصه من ساعات النهار .وفي جملة ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ما نقص من النهار يجعله في الليل وما نقص من الليل يجعله في النهار .
قوله: ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) لمعرفة تأويل ذلك نقول: هل الحياة والموت في هذه الآية على الحقيقة أو من باب الاستعارة ؟
فإن كان ذلك على الحقيقة فمثاله: إخراج السنبلة من الحبة وبالعكس ،وكذا النخلة من النواة وبالعكس ،وكذا الحيوان من النطفة وبالعكس .
وإن كان ذلك من باب الاستعارة فمثاله: يخرج المؤمن من الكافر ،كإبراهيم من أبيه المشرك آزر .والكافر من المؤمن ،مثل كنعان المشرك من أبيه نوح عليه السلام .أو يخرج الطيب من الخبيث وبالعكس .فقد ذكر أن الكلمة محتملة للكل ،أما الكفر والإيمان فقال تعالى: ( أو من كان ميتا فأحييناه ) يريد أنه كان كافرا فهديناه فجعل الموت كفرا والحياة إيمانا ،وسمي إخراج النبات من الأرض إحياء بعد أن كانت قبل ذلك ميتة فقال: ( يحيي الأرض بعد موتها ) وقال: ( فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها ) .
وقوله: ( وترزق من تشاء بغير حساب ) جاء في تأويل ذلك: إن الله تعالى يعطي من يشاء من خلقه فيجود عليه بغير محاسبة منه لمن أعطاه ؛لأنه لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه ولا الفناء على ما بيده .وقيل: يعطي من يشاء ما يشاء لا يحاسبه على ذلك أحد ؛إذ ليس فوقه ملك يحاسبه ،بل هو الملك يعطي من يشاء بغير حساب ،وقيل: ترزق من تشاء غير مقدور ولا محدود ،بل تبسطه له وتوسعه عليه ،كما يقال: فلان ينفق بغير حساب إذا وصف عطاؤه بالكثرة{[441]} .