قوله: ( ومصدقا لما بين يدي من التوراة ) ( مصدقا ) منصوب على الحال من جئتكم .وبيان ذلك أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها على أنها من عند الله .وكلك الأنبياء كلهم كانوا يصدقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسالاته وإن اختلفت بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك .
على أن تصديق عيسى عليه السلام للتوراة معناه اعتقاده أن كل ما فيها حق وصواب .وهذه الحقيقة لا ينقضها قوله تعالى: ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) إنه لا تناقض بين المعنيين البتة .فتأويل هذه الآية بأمرين:
الأول: أن أحبار بني إسرائيل كانوا قد وضعوا من عند أنفسهم شرائع باطلة مفتراة وكانوا قد نسبوها إلى كليم الله موسى عليه السلام .فجاء عيسى عليه السلام ورفعها وأبطلها .
الثاني: أن الله تعالى كان قد حرم بعض الأشياء على اليهود عقوبة لهم على بعض ما صدر عنهم من الجنايات .
وقال آخرون: إن عيسى عليه السلام رفع كثيرا من أحكام التوراة ،وذلك كله ليس قدحا في كون عيسى مصدقا بالتوراة ؛لأن المقصود هو التخفيف عن بني إسرائيل مما أثقل كاهلهم وأعنتهم من الأحكام .{[475]}
وجملة القول أن قوله تعالى: ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح .
قوله: ( وجئتكم بآية من ربكم ) أعاد ذكر المعجزات ليؤثر في قلوبهم وطبائعهم تأثيرا .ثم خوفهم تخويفا إذ قال: ( فاتقوا الله وأطيعون ) أي اتقوا الله يا معشر بني إسرائيل فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه المنزل إليكم ،وأوفوا بعهد الله الذي عاهدتموه فيه وأطيعون فيما دعوتكم إليه .