قوله تعالى: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدام خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) .
قال المفسرون في سبب نزول هذه الآية: إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم: ما لك تشتم صاحبنا ؟قال:"وما أقول "قالوا: تقول إنه عبد .قال:"أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول "فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب ؟فإن كنت صادقا فأرنا مثله .فأنزل الله عز وجل هذه الآية{[481]} .
تتضمن هذه الآية قياسا .وهو تشبيه عيسى المسيح الذي خلق من غير أب بآدم أبي البشر إذ خلقه الله من تراب- أي من غير أب ولا أم .فوجه الشبه بينهما خلقهما من غير أب ،بل إنه من الوجهة القياسية المعقولة ينبغي القول إن خلق عيسى من غير أب لهو أشد تأكيد على حصول المقصود .وهو ما يحمل الذهن على سرعة التقبل والتصديق في يسر وبساطة من طريق الأحرى والأولى ،فلئن كان آدم خلق من غير أب ولا أم وإنما خلق من تراب فلا جرم أن يكون خلْق المسيح من أم بغير أب لا يحتمل غير القطع واليقين .
والأمر جد هين ويسير لو حيل بين المرء وجنوحه للهوى والتعصب ،وهذه أم المعضلات ومشكلة التي تصطدم بها البشرية طيلة حياتها ... مسألة الهوى المضل والتعصب الذميم وما يرافق ذلك من نكوص عن نداءات اليقين والصواب التي تهتف بالإنسانية في كل آن ؛كيما تصيخ للحق والصواب ،وكيما تتجافى بعقولها وطبائعها وتصوراتها عن الباطل بكل صور وألوانه .
الأمر جد هين ويسير لو حملت البشرة عقولها على استيعاب المدلول الهائل الذي تضنه قوله تعالى: ( كن فيكون ) فلسوف لا يبقى بعد ذلك مثار لغرابة ولا متسع لعجب ،مادام كل شيء في الوجود رهين من الله بالكاف والنون .