قوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} وهذا دليل كبير على عظيم صنع الله وبالغ قدرته وحكمته .وهو أنه{خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي خلق لكم نساء من جنسكم ؛فالنساء مخلوقات من نُطف الرجال .وقيل: المراد حواء زوجة آدم خلقها الله من ضلعه .والمراد: أن الإناث قد خلقهن الله من جنس الرجال ليسكن إليهن الرجال ؛أي يميلوا إليهن ويستأنسوا بهن .وذلك من السكينة وهي الدعة والهدوء والوقار{[3601]} .وذلك أن الجنس الواحد لا يسكن لجنسه ولا يستأنس به كما يستأنس بالجنس الآخر .وهذه خصلة أساسية ومفطورة قد جُبل عليها البشر ؛إذ يميل كل صنف إلى الصنف الآخر المخالف .الذكر يميل للأنثى وهي تميل للذكر .
قوله:{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} أي تعطف قلوب بعضهم على بعض فكل منهما يحب الآخر ويحنو عليه ويجنح إليه جنوحا فطريا .وذلك بعصمة الزواج الذي تنشأ عنه الختونة والصهرية والنسب .وبذلك تتسع دائرة التعارف والتواد والتراحم بين الناس فتعمهم الألفة والمودة والوئام .
قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يعني فيما تبين من عجيب قدرة الله على خلق الناس من تراب ليصيروا بشرا منتشرا ،ثم خلق الإناث من جنس الذكور لتشيع بينهم المودة والرحمة ووشائج الصهرية والقربى{لَآيَاتٍ} أ ي لدلائل عظيمة تكشف عن قدرة الله وعلى حقيقة البعث يوم القيامة{لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يعني لأولي النباهة والفطانة من أولي العقول النيرة الذين يتدبرون ويتعظون{[3602]} .