قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( 10 ) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} .
يبين الله في ذلك بالغ قدرته وعظيم سلطانه ؛فهو سبحانه الخالق المهيمن المقتدر الذي ذرأ الكون الهائل المتسع ومنه السماوات السبع وما فيهن وما بينهن .وقد قيل: إن السماوات مبسوطة مستوية .وقيل: إنها مستديرة ويعزز هذا قوله:{كل في فلك يسبحون} والفلك اسم لشيء مستدير .وفلْكة المغزل ،سميت بذلك لاستدارتها .ويقال: تركته كأنه يدور في فلك{[3639]} .
قوله:{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}{عَمَدٍ} ،جمع ومفرده عماد وعمود .ترونها جملة فعلية ،في موضع نصب على الحال من{السماوات} .فلا يكون ثمة عمد البتة .وقيل: في موضع جر ،صفة لعمد ،فيكون هناك عمد لكنها لا ترى .
وكيفما تكن حال السماوات أو حقيقتها من حيث الكيفية والهيئة والسعة وكثرة الخلائق والأشياء والأجرام فإن ذلك كله من خلق الله .وتلكم آية بالغة على أن الله حق ،وأنه الخالق القادر البديع .
قوله:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} الرواسي ،الجبال الثوابت ؛فقد جعلها الله في الأرض ؛لتستقر هذه وتثبت فلا تتحرك أو تضطرب ؛ذلك أن الجبال هائلة وثقال ،وهي بعظيم ثقلها تصير الأرض بها ثقيلة فتترسخ وتسكن ،وإلا زالت عن موضعها أو تطايرت .وهو قوله:{أَن تَمِيدَ بِكُمْ} أي كراهية أن تميد بكم .أو لئلا تميد بكم ،ماد الشيء ،تحرك .ومادت الأغصان ،تمايلت .وغصن مائد ،أي مائل ،وماد الرجل ،يعني تبختر{[3640]} .
قوله:{وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ} الدابة اسم لكل ما دب على الأرض .
والمعنى: أن الله خلق في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم أجناسها وأعدادها وأشكالها وألوانها إلا هو سبحانه .
قوله:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أنزل الله المطر من السماء فأنبت به في الأرض من كل نوع من أنواع النبات{كَرِيمٍ} أي حسن المنظر واللون .