قوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ( 36 ) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ( 37 ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ( 38 ) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 39 ) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} .
قالت قريش: لئن لم ينته محمد عن تعييب آلهتنا وتعييبنا لنسلطنها عليه فتصيبه بخبل وتعتريه بسوء فأنزل الله{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} دخلت الهمزة الإنكار على النفي لتقرير الكفاية وإثباتها .أي هو كاف عبده .وفي إضافة عبده إليه تشريف له عظيم .والمراد بعبده هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .وذلك كقوله:{إنّا كفيناك المستهزئين} أي حفظناك بعنايتنا وكفيناك شرهم وأذاهم .
قوله:{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أي يُخَوفك المشركون بالأوثان .فقد ذكر أن قريشا قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وتصيبك معرتها لتعيبك إياها فزلت وفي رواية: لتكفّنّ عن شتم آلهتنا أو ليصيبك منها خبل فنزلت .ذلك تصور الجاهليين الضالين ،وذلك هو مَبلَغَهم من العلم ،إذْ يظنون أن تماثيل بلهاء من أحجار صماء تصيب أحدا بضُرٍّ أو شر .فقد غفل هؤلاء الموغلون في الضلالة أم الأحجار الموهومة والتماثيل الخرساء المركومة لا تضر ولا تنفع .وكذلك غفلوا عن أن الله يكفي عبده المؤمن فيدفع عنه كل وجوه الشر والمكر .
قوله:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من لم يكتب الله له التوفيق والهداية فغفل عن أن الله كاف نبيه صلى الله عليه وسلم ،راح يخوف بالأصنام الجاحدة الخاوية{فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ليس له من أحد يهديه للحق ويرشده للسداد .