قوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} .
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأنفال ،في الكلام على قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النبي حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [ الأنفال: 64] وعلى قراءة الجمهور بكاف عبده ،بفتح العين وسكون الباء ،بإفراد العبد ،والمراد به ،النبي صلى الله عليه وسلم .كقوله:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [ البقرة: 137] وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النبي حَسْبُكَ اللَّهُ} [ الأنفال: 64] الآية .
وأما على قراءة حمزة والكسائي عِبادَهُ بكسر العين وفتح الباء بعدها ألف على أنه جمع عبد ،فالظاهر أنه يشمل عباده الصالحين من الأنبياء وأتباعهم .
قوله تعالى:{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ،أن الكفار عبدة الأوثان ،يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم ،بالأوثان التي يعبدونها من دون الله ،لأنهم يقولون له: إنها ستضره وتخبله ،وهذه عادة عبدة الأوثان لعنهم الله ،يخوفون الرسل بالأوثان ويزعمون أنها ستضرهم وتصل إليهم بالسوء .
ومعلوم أن أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه ،لا يخافون غير الله ولاسيما الأوثان ،التي لا تسمع ولا تبصر ،ولا تضر ولا تنفع ،ولذا قال تعالى عن نبيه إبراهيم لما خوَّفوه بها{وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فأي الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بالأمن} [ الأنعام: 81] الآية .
وقال عن نبيه هود وما ذكره له قومه من ذلك{إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إني أُشْهِدُ اللَّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّى بريء مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إني تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [ هود: 54-56] .
وقال تعالى في هذه السورة الكريمة ،مخاطباً نبينا صلى الله عليه وسلم ،بعد أن ذكر تخويفهم له بأصنامهم{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أرادني اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أرادني بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حسبي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [ الزمر: 38] .
ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله .
وقد بين جل وعلا في موضع آخر ،أن الشيطان يخوف المؤمنين أيضاً ،الذين هم أتباع الرسل من أتباعه وأوليائه من الكفار ،كما قال تعالى:{إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [ آل عمران: 175] .
والأظهر أن قوله{يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} حذف فيه المفعول الأول ،أي يخوفكم أولياءه ،بدليل قوله بعده:{فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} الآية .