قوله:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} خلق الله العباد جميعا من نفس واحدة وهو آدم أبو البشر ،إذْ خلقه الله من طين ثم نفخ فيه من روحه فجعله إنسانا مكتمل الصورة والهيئة ،حسن البنية والمنظر{ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} خلق الله من آدم زوجه حواء ليسكن إليها ويستأنس بها وتكون له خير صاحبة ومعوان .
قوله:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أنزل بمعنى قضى أو خلق لكم من الأنعام ،وقيل: الأنعام لا تعيش إلا بالنبات ،والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الله الماء فكأنه أنزل الأنعام{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي ذكر وأنثى ،من الإبل والبقر والضأن والمعز .والزوج اسم لواحد معه آخر ،فإذا انفرد فهو فرد ووتر .فالمراد بخلْقه من الأنعام ثمانية أزواج ،أنه خلق من الإبل زوجين ،ومن البقر زوجين ،ومن الضأن اثنين ،ومن المعز اثنين .
قوله:{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} أي خلقكم أجنة في بطون أمهاتكم أطوارا .فيكون أحدكم أولا نطفة مهينة قذرة ،ثم يصير علقة ،ثم يكون مضغة فعظاما ثم تُكسى العظام لحما وأعصابا وعروقا وغير ذلك من مركبات الجسد الكثيرة العجيبة .ثم ينفخ فيه الروح فيصير خلقا آخر ؛أي خلقا ذا روح .
وذلك كله{فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} والظلمات في قول المفسرين هي: ظلمة البطن ،وظلمة الرحم: وظلمة المشْيمة .
وقد وجد بعضَ المعاصرين المتخصصين في علوم الطب والتشريح في هذه الآية متسعا لما أدلَوا به من وصف لطبيعة الرحم في المرأة ؛إذ قالوا: إنه يتكون من ثلاثة أغشية صمّاء لا يتخللها شيء من ماء أو ضوء أو حرارة ،صونا للجنين أن يتأذى أو ينفذ إليه أذى .
قوله:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} ذلكم الذي فعل كل هذه العجائب في الخلْق والإنشاء والتكوين هو الله خالقكم ومالككم وهو وحده المتفرد بالإلهية ،وليس من إله سواه{فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} كيف تُصرفون عن عبادة الله الذي هذه بعض صفاته في الخلق والتكوين ،وتعبدون معه آلهة مزعومة موهومة أخرى ؟!.