قوله تعالى: ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) .في هذه الآية نهي عن فعلة جاهلية نكراء وهي أن ينكح الرجل منكوحة أبيه .فقد حرم الله زوجات الآباء تكرمة لهم واحتراما وإكراما أن يوطأن من بعدهم .حتى إن هذا التحريم يصبح ساريا بمجرد العقد ولو لم يقع جماع .
أما قوله: ( ما نكح ) فقد قيل في إعراب ( ما ) بأنها مصدرية فيكون النهي واقعا على نكاح الآباء ؛لأنه فاسد ومخالف للدين ،وبذلك يكون التقدير: لا تنكحوا مثل نكاح آبائكم الفاسد .وقيل في إعراب ( ما ) بأنها في موضع"من "وهي اسم موصول بمعنى الذي .أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكحهن آباؤكم .وهو الأرجح لأنه الذي عليه الصحابة ومنه استدلوا على منع نكاح حلائل الآباء .وهي عادة كانت متفشية ومباحة في الجاهلية حتى نزول هذه الآية فباتت هذه العادة حراما مستبشعا .
وقوله: ( إلا ما قد سلف ) جاء في تأويل قوله: ( إلا ) عدة وجوه ،منها: أن قوله: ( إلا ما قد سلف ) أي قبل نزول آية التحريم فإنه معفو عنه .
ومنها: أن هذا استثناء منقطع ؛لأنه لا يجوز استثناء الماضي من المستقبل .والمعنى: لكن ما قد سلف فإن الله قد تجاوز عنه .
ومنها: أن ( إلا ) هنا بمعنى بعد .أي بعد ما سلف .
ولقد شددت الآية في النكير على نكاح الأبناء لزوجات قد نكحهن آباؤهم بأن ذلك أمر منهي عنه بشدة وذلك بالنظر لفحشه وكونه مقتا ،أي بغضا بمعنى أنه يبعث على بغض الله وغضبه وهو كذلك سبيل سيئة تفضي إلى وخيم العواقب .وقيل إن النهي هنا متعلق بنكاح الزوجات اللاتي نكحهن الآباء نكاحا مشروعا عن طريق العقد .أما إن كان الآباء قد وطئوهن بغير عقود مشروعة فذلك زنا لا تحرم به النساء الموطوءات على الأبناء في قول الشافعي ومالك وكثير من المفسرين ؛لأن النكاح عندهم عبارة عن العقد الصحيح ،خلافا لأبي حنيفة فإنه يحرم عنده أن يتزوج الرجل بمزنية أبيه ؛لأن النكاح عنده عبارة عن الوطء{[718]} .
وتثبت المصاهرة والتحريم بغير الوطء من دواعيه كاللمس بشهوة ونحوه ،فذلك بمنزلة الجماع .وهو قول الحنفية والمالكية أيضا والشافعية في رواية عنهم .وذهب الحنابلة وأهل الظاهر ،والشافعية في الراجح من مذهبهم إلى أن المصاهرة لا تثبت بغير الوطء .فلا تثبت بدواعيه كاللمس ونحوه .{[719]}