مناسبة النزول
في الدر المنثور: «أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله:{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ} ،قال: نزلت في أبي قيس بن الأسلت خلّف على أُم عبيد بنت ضمرة كانت تحت الأسلت أبيه ،وفي الأسود بن خلف وكان خلّف على بنت أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار ،وكانت عند أبيه خلف ،وفي فاختة بنة الأسود بن المطلب بن أسد كانت عند أمية بن خلف فخلّف عليها صفوان بن أمية ،وفي منظور بن رباب وكان خلف على مليكة بنة خارجة وكانت عند أبيه رباب بن سيار .
وفيه أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: كان الرجل إذا تُوفي عن امرأة كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمه أو ينكحها من يشاء ،فلما مات أبو قيس بن الأسلت ،قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم ينفق عليها ولم يورثها من المال شيئاً ،فأتت النبي( ص ) ،فذكرت ذلك له ،فقال: ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئاً ،فنزلت:{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ} الآية ،ونزلت:{لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً} .
وفيه أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون ما حرَّم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ،فأنزل الله{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ}{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأخْتَيْنِ} .
نكاح نساء الآباء
وهذه طريقةٌ مذمومةٌ ،كان أهل الجاهلية يسيرون عليها في زواج الولد بامرأة أبيه ،باعتباره القائم مقام أبيه ؛فجاءت الآية من أجل النهي عن ذلك ،واعتبارها من المحارم تنزيلاً لها منزلة الأم .وقد كان الأسلوب جارياً مجرى التشديد ،تماماً كما هو الأسلوب القرآني في رفض الزنى ،من حيث هو فاحشةٌفي ما تعنيه الفاحشة من العلاقة غير المشروعةومن حيث هو مقتٌفي ما يثيره في النفس من عوامل ذاتية سلبية ،وما يستتبعه من غضب الله ومقته وساء سبيلاً،لأنه الطريق الذي لا ينتهي بالإنسان إلى ما فيه صلاحه ،من حيث التخطيط الإسلامي للعلاقات في ما يباح للإنسان من الزواج ،وما لا يباح .وقد استثنت الآية الحالات السابقة التي مارسها الناس في ذلك العهد ،فأبقتها على طبيعتها من دون أن يكون لها مفعولٌ رجعيَّ .
{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ} فلا يحل للإنسان أن يتزوج زوجة أبيه لأنها بمنزلة أمه من حيث علاقتها بأبيه ،ولأن ذلك قد يوحي بالاعتداء على حريم الأب وهتك حرمته وربما يؤدي إلى النزاع بين الأولاد في تنافسهم على زوجة الأب وإلى وقوع المشاكل بينهم في ذلك{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} في تجاوزها للحدود المشروعة{وَمَقْتاً} تنفر منه العقول{وَسَآءَ سَبِيلاً} كأيّةٍ عادة خبيثةٍ وسلوكٍ معيبٍ .
وقد اتفق الفقهاء والمفسرون أن المراد بالآباء ما يشمل الأجداد للأب وللأم وأن التحريم يحصل بمجرد العقد ،فلا علاقة للدخول بالتحريم ،بل يثبت حتى على تقدير عدمه .
وهناك خلافٌ في حرمة المرأة التي زنى بها الأب على الولد ،فهناك من حرّم وهناك ،من حلّل .