والله سبحانه بعفوه عن السيئات ومغفرته للإنسان في زلاّته وآثامه وتجاوزه لكل ما يسجله الحفظة لابن آدم من سقطات ،إنما يقع ذلك من أجل التخفيف عن الإنسان وذلك بالنظر لما جبل عليه من ضعف وقوله: ( وخلق الإنسان ضعيفا ) ضعيفا منصوب على الحال وهذه غاية الحقيقة التي تصدق على الإنسان ،ذلك الكائن الذي يخالطه الضعف مخالطة غامرة ومؤثرة يدل على ذلك حقيقة الإنسان من حيث البداية وخلال الحياة والممات فبداية الإنسان الأولى من طين لازب ثم تخلّق من نطفة مذرة مهينة ،حتى إذا اكتمل فيه التخليق والتكوين ما بين لحم وعصب وعظم ودم لم تبرحه ظاهرة الإحساس بالضعف سواء في صغره حيث الضعف في الجسد والوعي والإدراك .وكذلك في الشباب حيث التسرع والاندفاع واشتداد الغريزة .ثم ما يعقب الشيخوخة من هزال عميم وهرم مدنف ثم الإفضاء إلى الموت المحتوم حيث التعفن والتحلل والبلى وذلكم الضعف الذي يكشف عنه مدى اقتداره على المصابرة والاحتمال في زحمة الصدام مع الشدائد والعقبات أومع المؤثرات والمغريات .وفي هذا الخضم الحافل المزلزل يستبين جانب الضعف في الإنسان وهو تهزّه قوارع الفتنة والشهوات التي تستنزف كوامن الهوى من مراقده وتبعث على التململ والحراك والاضطراب وتؤز النفس لتنجح بها نحو المحظورات والمفاسد في كثير من الأحيان إلا أن تتضافر أسباب التربية والتهذيب والتشريع فيما يبدد معالم الفتنة والغواية فيميطها عن الطريق .