{ يريد الله أن يخفف عنكم} يريد الله تعالى بهذه الأحكام التي ليست فيها شدة تنوء القوى الإنسانية ، وليس فيها حرمان من الطبائع البشرية ، كما انها لا تفتح باب الشهوات والعبث والمجون ، يريد سبحانه ان يخفف عنكم ، فلا يكون فيكم الحرمان من متع الحياة ، ولا يكون فيكم الانطلاق الذي يحل جماعتكم ، ويسلط عليكم الأهواء والشهوات ، فترديكم ، وتذهب ريحكم ، فشرع الله تعالى إباحة الطيبات ، ومن حرمها فقد خالف أمر ربه إذ قال سبحانه:{ لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم . . .87}[ المائدة] وقال تعالى:{ قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق . . .32}[ الأعراف] وقال صلى الله عليه وسلم:"كلوا واشربوا والبسوا من غير سرف ولا مخيلة"{[704]} ، وليس في الإسلام رهبانية ، ولا انقطاع عن النساء ، ولكن ليس فيه إباحة مطلقة ، وكان ذلك التخفيف في التكليف ليسهل على الإنسان الاحتمال ، وقد قال تعالى:
{ وخلق الإنسان ضعيفا} أي خلق الله تعالى الإنسان والضعف ملازم له ، وليس الضعف المذكور هو الضعف البدني فقط ، بل يشمل الضعف النفسي ، فالتكليفات يلاحظ فيها ذلك الضعف ، ولذلك كانت كل التكليفات يسهل تعويد النفس عليها ، ولا يصعب احتمالها والمداومة عليها ، وقد حث الإسلام على السهل من الأعمال التي تمكن المداومة عليها ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"{[705]} ، ولضعف الإنسان أبيح له من الشهوات ما لا يجعله عبدا لشهوته ، بل يكون سيدا عليها ، وإن أبرز مظاهر الضعف الإنساني يكون اما النساء ، ولذا أبيح له مثنى وثلاث ورباع ، من غير بغي ولا ظلم . ، ولقد قال سعيد بن المسيب:ما أيس الشيطان من بني آدم قط إلا آتاهم من قبل النساء ، فقد اتى علي ثمانون سنة ، وذهبت إحدى عيني ، وأنا أعشو بالأخرى ، وإن اخوف ما اخاف على فتنة النساء{[706]} ! وقانا الله تعالى شر ضعف نفوسنا ، وقوى عزائمنا وهدانا إلى الحق ، والله سبحانه وتعالى يتولانا برحمته .