قوله تعالى: ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ) .جاء في سبب نزول هذه الآية أن رسول الله ( ص ) كلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم:"يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الله الذي جئتكم به الحق "قالوا: ما نعرف ذلك يا محمد ،وجحدوا ما عرفوا وأصرّوا على الكفر .
والذي يفهم من الآية أن المخاطب بها هم اليهود فقد دعوا إلى الإيمان بالقرآن الذي جاء مصدقا لما معهم وهي التوراة{[768]} .
قوله: ( من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ) ذلك تهديد مرعب لليهود ليحملهم على الإيمان بالنبي محمد ( ص ) وما تنزل عليه من كتاب وهو القرآن وإلا فإنهم معرّضون لطمس وجوههم .وقد ورد في معنى الطمس قولان .أحدهما على الحقيقة وهي أن تنقلب صورتهم قلبا تاما وبذلك ستتحول وجوههم بما فيها العيون والأنوف والأفواه إلى القفا وبعدها يرتد أحدهم على الدبر فيمشي القهقرى ليكون مشيه معكوسا أو تطمس وجوههم فلا يبقى لها سمع ولا بصر ولا أنف ومع ذلك ترد إلى ناحية الأدبار .وذلك معناه الطمس .والقول الآخر أنه على المجاز أي أن الطمس محمول على الضلالة في مسعاهم وحرمانهم من كل مظاهر التوفيق والسداد والصواب{[769]} .
والطمس في اللغة معناه الاستئصال والإذهاب البتة .طمسته طمسا أي محوته .وطمست الشيء أي استأصلت أثره ومنه قوله سبحانه: ( فإذا النجوم طمست ) أي امّحت وذهب ضوؤها{[770]} .
قوله: ( أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ) اللعن هو الطرد أو الإبعاد .فالملعون أو اللعين من كان مطرودا بعيدا من رحمة الله .وأصحاب السبت هم اليهود الذين اعتدوا على حرمة ذلك اليوم ( السبت ) إذ كان الاصطياد فيه حراما فاحتالوا بمكر وخسّة ليصطادوا في اليوم نفسه فكان جزاؤهم أن مسخهم الله قردة وخنازير .والسبت مصدر .نقول: سبتوا سبتا .وجمعه سبوت وأسبت .وسبت اليهود أي انقطاعهم عن المعيشة والاكتساب{[771]} .
قوله: ( وكان أمر الله مفعولا ) أي أن أمره واقع لا محالة فلا راد لما أراد ولا مانع لما قدّر .