المفردات:
الكتاب: التوراة .
الطمس: إزالة الأثر بمحوه أو إخفائه كما تطمس آثار الدار وأعلام الطرق إما بأن تنقل حجارتها ،وإما بأن تسفوها الرياح ،ومنه الطمس على الأموال في قوله: ربنا أطمس على أموالهم .( يونس:88 ) اي: ازلها و اهلكها ،و الطمس على الاعين في قوله:ولو نشاء لطمسنا على اعينهم . ( يس:66 ) إما إزالة نورها ،وإما محو حدقتها .
الوجه: تارة يراد به الوجه المعروف وتارة وجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد كما قال تعالى: أسلمت وجهي لله . ( آل العمران: 20 ) ، وقال: ومن يسلم وجهه إلى الله ( لقمان: 22 ) ،وقال: فأقم وجهك للذين حنيفا . ( الروم 30 ) .
الأدبار: واحدها: دبر ،وهو الخلف والقفا .
الإرتداد: هو الرجوع إلى الوراء ،إما في الحسيات وإما في المعاني ،ومن الأول: الارتداد والفرار في القتال ومن الثاني: قوله: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ( محمد: 25 ) .
نلعنهم: نهلكهم . كما لعنا أصحاب السبت ،أي: كما أهلكنا أصحاب السبت ،وقيل: مسخهم الله وجعلهم قردة وخنازير كما أخرجه ابن جرير عن الحسن .
تمهيد:
بعد أن نعى أهل الكتاب في الآية السالفة اشتراءهم الظلالة بالهدى بتحريفهم بعض الكتاب وإضاعة بعضه الآخر ،ألزمهم هنا بالعمل بما عرفوا وحفظوا بأن يأمنوا بالقرآن؛ذلك أن إيمانهم بالتوراة يستدعى الإيمان بما يصقدها وحذرهم من مخالفة ذلك ،وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور .
التفسير
47 _ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم .أي: يأيها اليهود و النصارى آمنوا بالكتاب الذي جاء مصدقا لما معكم ،من تقرير التوحيد و الأبتعاد عن الشرك وما يقوى ذلك الإيمان من ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،وتلك هي أصول الدين وأركانه والمقصد الأسمى من إرسال جميع الرسل ،ولا خلاف بينهم في ذلك ،وإنما الخلاف في التفاصيل ،وطرق حمل الناس عليها وهدايتهم بها ،وترقيتهم في معارج الفلاح بحسب السنن التي وضعها الله في ارتقاء البشر ،بتعاقب الأجيال ،واختلاف الأزمان .
من قبل أن طمس وجوها فنردها على أدبارها .أي: آمنوا قبل أن يحل بكم العقاب من طمس الوجوه ،والرد على الأدبار: أي: من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التي توجهتم بها من كيد الإسلام ،ونردها خاسرة إلى الوراء بإظهار الإسلام ونصره عليكم ،وقد كان لهم عند نزول الآية شيء من المكانة و القوة و العلم و المعرفة .
و جعل بعضكم الرد على الأدبار حسيا فقال: نردهم على أدبارهم بالجلاء إلى فلسطين و الشام ،وهي التي جاءوا منها .
وخلاصة المعنى: آمنوا قبل أن نعمى عليكم السبيل بما نبصر المؤمنين بشؤونكم ونغريهم بكم ،فتردوا على أدباركم بأن سعيكم إلى غير الخير لكم .
أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت .أي: آمنوا قبل أن تقعوا في الخيبة و الخذلان وذهاب العزة ،باستيلاء المؤمنين عليكم وإجلائكم عن دياركم كما حدث لطائفة منكم ،أو بالهلاك كما وقع بقتل طائفة أخرى وهلاكها .
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً .المراد من الأمر: الأمر التكويني المعبر عنه بقوله عز من قائل: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . ( يس: 82 ) ،إنما أمره بإيقاع شيء ما نافذ لا محالة ،و من هذا ما أوعدتم به قال ابن عباس: يريد لا راد لحكمه و لا ناقض لأمره ،فلا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله ،كما تقول في الشيء الذي لا شك في حصوله: هذا الأمر مفعول و إن لم يفعل بعد .
و الخلاصة إنه يقول لهم: أنتم تعلمون أن وعيد الله للأمم السالفة قد وقع ولا محالة؛فاحترسوا وكونوا على حذر من وعيده لكم .