قوله تعالى: ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ) .
الشفاعة في اللغة من الشفع وهو العدد الزوجي خلافا للفرد أو الوتر وفي الآية: ( والشفع والوتر ) ومنه الشفيع سميّ بذلك ؛لأنه في ضمه إلى صاحب الحاجة يصير شفعا أي زوجا .وبعبارة أخرى فإن الشفع معناه: ضم ذات إلى ذات أخرى .وعلى ذلك فإن الشفاعة تعني أن ينضم واحد بجاهه واعتباره إلى آخر لما في ذلك من إظهار لمنزلة الشفيع بقصد إيصال المنفعة إلى المشفوع له{[798]} .
واختلف أهل التأويل في حقيقة المقصود من هذه الآية على جملة أقوال .ويمكن استخلاص الصحيح منها لنعلم أنها تتعلق بشفاعات الناس في حوائجه فيما بينهم .فمن سعى سعيا ترتب عليه وصول خير أو منفعة للآخرين كأن يكون ذلك تحصيلا لمنفعة أو تحقيقا لمصلحة أو إظهارا لحق مضيّع أو دفعا لضرر ،فإن في ذلك أجرا ومثوبة للساعي الشفيع .يقول النبي ( ص ):"اشفعوا تؤجروا "رواه مسلم .
أما الذي يشفع في السيئة بأن يسخّر جاهه ومكانته في إلحاق الأذى والظلم بالآخرين فإنه له في ذلك كفل من الوزر أو الإثم .والكفل معناه النصيب ويستوي فيه أن يتضمّن الأجر أو يتضمّن الوزر .وفي هذه الآية تشجيع على فعل الخير وبث أسباب العون والمساعدة لكل محتاج أو ملهوف ،وفيها كذلك تنديد بالشفاعة السيئة التي يعتمد بموجبها الآثمون إلى إخفاء الحق لكي يظهر الباطل بما في ذلك من وجوه الإضرار والشرور والموبقات التي تلحق بالناس ظلما وعدوانا .وذلك نتيجة للوساطات الفاسدة التي ينبري من خلالها الشفعاء لإخفاء الحق وإظهار الباطل فيحيق الظلم بالمستحقين ويتطاول المبطلون المعتسفون فيسلبون حقوق الآخرين ظلما وعدوانا .
قوله: ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) المقيت معناه الحفيظ الشهيد وقيل: المقتدر وهو مشتق من القوت ؛لأنه يمسك النفس ويحفظها .