قوله تعالى: ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) .الفاء متعلقة بما قبلها والمخاطب في ظاهر اللفظ هو الرسول ( ص ) .وفي حقيقة التكليف بالقتال وحده وردت عدّة أقوال نستخلص منها أقربها إلى الصواب وأبعدها عن الغرابة في الحكم .وهو أن النبي ( ص ) مأمور بقتال المشركين بنفسه أما من نكل عن مشاركته في القتال من المسلمين فلا بأس ولا تثريب عليه ( أي البني ) أي لا تلزم فعل غيرك ولست مؤاخذا به ،وشبيه بذلك ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه .أي أن الخطاب موجه لك يا محمد ولكل واحد من أمتك وهو:"فقاتل في سبيل الله لا تكلّف إلا نفسك "فكل مسلم مكلف قد نيطت به وحده وجيبة الجهاد بمفرده ولا عليه بعد ذلك إن نكل عنه الآخرون أو تخلّفوا .
ويأمر الله نبيّه كذلك بتحريض المؤمنين على قتال المشركين والمتربصين .والتحريض هو الحض والتشجيع .فإن في تحريضه على القتال واشتداد المسلمين في التصدي للأعداء ومقارعتهم ما عساه أن يكون سببا في أن يكف الله عن المسلمين سلطان عدوّهم وسطوته فيرتد خاسرا مدحورا .
قوله: ( والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) البأس هو الصولة والمنعة والشدّة .والتنكيل بمعنى العقوبة .وبذلك فإن قوة الله تفوق كل قوة وعقوبته موجعة أليمة تدنو دونها كل عقوبة ،فهو سبحانه القادر على التنكيل بالفسّاق والمجرمين وعلى أن يذيقهم من شديد عذابه ما لم يكونوا يتصوّرون{[797]} .