{ فقاتل في سبيل الله} حتى ولو تركوك وحدك منفردا لا أحد معك ، فإن معية الله خير وأبقى ، فهو الذي أمرك بالقتال ، وهو الذي تكفل بنصرك{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد( 51 )}( غافر ) .
في الآية أمر من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بألا يترك جهاد العدو ، حتى ولو كان وحده ، لأن الله ضمن له النصر ، وهناك من يقولون أن الخطاب للأمة كلها ، إذ قال ابن عطية في تفسيره:"هذا ظاهر اللفظ ، إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال قد فرض عليه وحده دون الأمة مدة ما ، فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك هذا الخطاب موجه إليه ، وكل إنسان ليس مكلفا إلا عن نفسه ، فإن تقدم نفسك للجهاد فإن الله هو ناصرك ، وليس الجنود ، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف من الجند ، فالنصر أولا وأخيرا من عند الله .
وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى الخروج للقاء المشركين في معركة بدر الصغرى ، وكان أبو سفيان قد واعد الرسول على أن يتلاقوا فيها ، فكره بعض الناس أن يخرجوا ، فنزلت الآية ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وليس معه إلا سبعون ، ولو لم يخرج معه أحد لخرج وحده ، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول له:يا محمد ، إنك لا تكلف إلا نفسك وحدها ، فاخرج{ وحرض المؤمنين}إذ ليس عليك بالنسبة لهم إلا التحريض ، وأمرهم دون تعنيف{ عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا} وقد كان ، فكف الله بأس الذين كفروا ، وهم قريش الذين تواعدوا مع النبي على اللقاء ، فقد غير أبو سفيان رأيه ، وخشي عاقبة المعركة فقال لقومه:إن هذا عام مجدب ، لن تقدروا فيه على لقاء محمد وأصحابه ، فانتظروا عاما مخصبا ، كما تعودتم لتلاقوا فيه محمدا ومن معه ، ووقتها سيكون بأسكم شديدا ، وتنكيلكم بمحمد وأصحابه شديدا ، ألم يعلموا أن العزة لله جميعا{ والله أشد بأسا} من قريش{ أشد تنكيلا} من كل أعدائكم . و{ إن بطش ربك لشديد( 12 )}( البروج )فهو أعظم سلطانا ، وأقدر على ما يريد .