القول في تأويل قوله:فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا (84)
قال أبو جعفر:يعني بقوله جل ثناؤه:(44) "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك "، فجاهد، يا محمد، أعداء الله من أهل الشرك به ="في سبيل الله "، يعني:في دينه الذي شرعه لك، وهو الإسلام، وقاتلهم فيه بنفسك. (45)
* * *
فأما قوله:"لا تكلف إلا نفسك "فإنه يعني:لا يكلفك الله فيما فرض عليك من جهاد عدوه وعدوك، إلا ما حمَّلك من ذلك دون ما حمَّل غيرك منه، أي:أنك إنما تُتَّبع بما اكتسبته دون ما اكتسبه غيرك، وإنما عليك ما كُلِّفته دون ما كُلِّفه غيرك. (46)
* * *
ثم قال له:"وحرض المؤمنين "، يعني:وحضهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك ="عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا "، يقول:لعل الله أن يكف قتال من كفر بالله وجحد وحدانيته وأنكر رسالتك، عنك وعنهم، ونكايتهم. (47)
* * *
وقد بينا فيما مضى أن "عسى "من الله واجبة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (48)
="والله أشد بأسًا وأشد تنكيلا "، يقول:والله أشد نكاية في عدوه، من أهل الكفر به = منهم فيك يا محمد وفي أصحابك، فلا تنكُلَنَّ عن قتالهم، (49) فإني راصِدُهم بالبأس والنكاية والتنكيل والعقوبة، لأوهن كيدهم، وأضعف بأسهم، وأعلي الحق عليهم.
و "التنكيل "مصدر من قول القائل:"نكلت بفلان "، فأنا أنكّل به تنكيلا "، إذا أوجعته عقوبة، (50) كما:-
10014 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"وأشد تنكيلا "، أي عقوبة.
-------------------------
الهوامش:
(44) في المطبوعة والمخطوطة:"يعني بذلك جل ثناؤه"، والسياق ما أثبت.
(45) انظر تفسير"سبيل الله"فيما سلف 8:3470 ، 546 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك.
(46) انظر تفسير"التكليف"فيما سلف 5:45.
(47) سياق الكلام"أن يكف... عنك وعنهم"ثم عطف"ونكايتهم"على قوله:"قتال من كفر بالله".
(48) لم أجد هذا الموضع الذي أشار الطبري ، وأخشى أن لا يكون مضى شيء من ذلك ، وأنه قد وهم.
(49) "نكل عن الشيء":أحجم وارتد عنه من الفرق. والمعنى:أشد نكاية في عدوه... من نكاية عدوه فيك يا محمد.
(50) انظر تفسير"النكال"و"التنكيل"فيما سلف 2:176 ، 177.